193

Adab du monde et de la religion

أدب الدنيا والدين

Maison d'édition

دار مكتبة الحياة

Édition

الأولى

Année de publication

1407 AH

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Soufisme
لَأَشْكُرَنَّكَ مَعْرُوفًا هَمَمْتَ بِهِ ... إنَّ اهْتِمَامَك بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفُ
وَلَا أَلُومَك إنْ لَمْ يُمْضِهِ قَدَرٌ ... فَالشَّيْءُ بِالْقَدَرِ الْمَحْتُومِ مَصْرُوفُ
وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الشُّكْرِ الَّذِي يَتَعَجَّلُ الْمَعْرُوفَ وَيَتَقَدَّمُ الْبِرَّ قَدْ يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ: فَيَكُونُ تَارَةً مِنْ حُسْنِ الثِّقَةِ بِالْمَشْكُورِ فِي وُصُولِ بِرِّهِ وَإِسْدَاءِ عُرْفِهِ وَلَا رَأْيَ لِمَنْ يُحْسِنُ بِهِ ظَنَّ شَاكِرٍ أَنْ يُخْلِفَ حُسْنَ ظَنِّهِ فِيهِ، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ الْعَتَّابِيُّ:
قَدْ أَوْرَقَتْ فِيك آمَالِي بِوَعْدِك لِي ... وَلَيْسَ فِي وَرَقِ الْآمَالِ لِي ثَمَرُ
وَقَدْ يَكُونُ تَارَةً مِنْ فَرْطِ شُكْرِ الرَّاجِي وَحُسْنِ مُكَافَأَةِ الْآمِلِ، فَلَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْحَقِّ وَإِسْلَافِ الشُّكْرِ. وَلَيْسَ لِمَنْ صَادَفَ لِمَعْرُوفِهِ مَعْدِنًا زَاكِيًا، وَمُغْرِسًا نَامِيًا، أَنْ يُفَوِّتَ نَفْسَهُ غُنْمًا، وَلَا يَحْرِمَهَا رِبْحًا فَهَذَا وَجْهٌ ثَانٍ.
وَقَدْ يَكُونُ تَارَةً ارْتِهَانًا لِلْمَأْمُولِ، وَحُبًّا لِلْمَسْئُولِ. وَبِحَسَبِ مَا أَسْلَفَ مِنْ الشُّكْرِ يَكُونُ الذَّمُّ عِنْدَ الْإِيَاسِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ مِنْ حُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: مَنْ شَكَرَكَ عَلَى مَعْرُوفٍ لَمْ تُسْدِهِ إلَيْهِ فَعَاجِلْهُ بِالْبِرِّ وَإِلَّا انْعَكَسَ فَصَارَ ذَمًّا. وَقَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ:
وَمَا الْحِقْدُ إلَّا تَوْأَمُ الشُّكْرِ فِي الْفَتَى ... وَبَعْضُ السَّجَايَا يُنْسَبْنَ إلَى بَعْضِ
فَحَيْثُ تَرَى حِقْدًا عَلَى ذِي إسَاءَةٍ ... فَثَمَّ تَرَى شُكْرًا عَلَى حُسْنِ الْقَرْضِ
إذَا الْأَرْضُ أَدَّتْ رِيعَ مَا أَنْتَ زَارِعٌ ... مِنْ الْبَذْرِ فِيهَا فَهِيَ نَاهِيك مِنْ أَرْضِ
وَأَمَّا مَنْ سَتَرَ مَعْرُوفَ الْمُنْعِمِ وَلَمْ يَشْكُرْهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ مِنْ نِعَمِهِ، فَقَدْ كَفَرَ النِّعْمَةَ وَجَحَدَ الصَّنِيعَةَ. وَإِنَّ مِنْ أَذَمِّ الْخَلَائِقِ، وَأَسْوَأِ الطَّرَائِقِ، مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ قُبْحَ الرَّدِّ وَسُوءَ الْمَنْعِ. فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» . وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ لَمْ يَشْكُرْ لِمُنْعِمِهِ اسْتَحَقَّ قَطْعَ النِّعْمَةِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ: مَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ الْمُفِيدِ اسْتَوْجَبَ حِرْمَانَ الْمَزِيدِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ أَنْكَرَ الصَّنِيعَةَ اسْتَوْجَبَ قُبْحَ الْقَطِيعَةِ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الْأُدَبَاءِ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -:

1 / 208