187

Adab du monde et de la religion

أدب الدنيا والدين

Maison d'édition

دار مكتبة الحياة

Édition

الأولى

Année de publication

1407 AH

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Soufisme
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ بَذْلُ الْجَاهِ وَالْإِسْعَادُ بِالنَّفْسِ وَالْمَعُونَةُ فِي النَّائِبَةِ.
وَهَذَا يَبْعَثُ عَلَيْهِ حُبُّ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ وَإِيثَارُ الصَّلَاحِ لَهُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ سَرَفٌ، وَلَا لِغَايَتِهَا حَدٌّ، بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ فَهِيَ أَفْعَالُ خَيْرٍ تَعُودُ بِنَفْعَيْنِ: نَفْعٌ عَلَى فَاعِلِهَا فِي اكْتِسَابِ الْأَجْرِ وَجَمِيلِ الذِّكْرِ، وَنَفْعٌ عَلَى الْمُعَانِ بِهَا فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُ وَالْمُسَاعَدَةِ لَهُ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ» . وَعَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «الْمَعْرُوفُ كَاسْمِهِ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَعْرُوفُ وَأَهْلُهُ» .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: لَا يُزْهِدَنَّك فِي الْمَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ فَقَدْ يَشْكُرُ الشَّاكِرُ بِأَضْعَافِ جُحُودِ الْكَافِرِ. وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَائِزَهُ ... لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ:
يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ ... تَحَمَّلَهَا كَفُورٌ أَمْ شَكُورُ
فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءٌ ... وَعِنْدَ اللَّهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ
فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُعَجِّلَهُ حَذَرَ فَوَاتِهِ، وَيُبَادِرَ بِهِ خِيفَةُ عَجْزِهِ. وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ فُرَصِ زَمَانِهِ، وَغَنَائِمِ إمْكَانِهِ، وَلَا يُهْمِلُهُ ثِقَةً بِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَكَمْ وَاثِقٍ بِقُدْرَةٍ فَاتَتْ فَأَعْقَبَتْ نَدَمًا، وَمُعَوِّلٍ عَلَى مُكْنَةٍ زَالَتْ فَأَوْرَثَتْ خَجَلًا. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَازِلْتُ أَسْمَعُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ خَجِلٍ ... حَتَّى اُبْتُلِيتُ فَكُنْتُ الْوَاثِقَ الْخَجِلَا
وَلَوْ فَطِنَ لِنَوَائِبِ دَهْرِهِ، وَتَحَفَّظَ مِنْ عَوَاقِبِ مَكْرِهِ، لَكَانَتْ مَغَانِمُهُ مَذْخُورَةً، وَمَغَارِمُهُ مَخْبُورَةً. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةٌ وَثَمَرَةُ الْمَعْرُوفِ تَعْجِيلُ السَّرَاحِ» . وَقِيلَ لِأَنُوشِرْوَانَ: مَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ: أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَلَا تَصْطَنِعُهُ حَتَّى يَفُوتَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: مَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ

1 / 202