Adab du monde et de la religion

al-Mawardi d. 450 AH
124

Adab du monde et de la religion

أدب الدنيا والدين

Maison d'édition

دار مكتبة الحياة

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1407 AH

Lieu d'édition

بيروت

Genres

Soufisme
وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: فَهِيَ عَدْلٌ شَامِلٌ يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَتَعَمَّرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ. فَقَدْ قَالَ الْمَرْزُبَانُ لِعُمَرَ، حِينَ رَآهُ وَقَدْ نَامَ مُتَبَذِّلًا: عَدَلْت فَأَمِنْت فَنِمْت. وَلَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعُ فِي خَرَابِ الْأَرْضِ وَلَا أَفْسَدُ لِضَمَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ وَلَا يَنْتَهِي إلَى غَايَةٍ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ قِسْطٌ مِنْ الْفَسَادِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «بِئْسَ الزَّادُ إلَى الْمَعَادِ، الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ» . وَقَالَ ﷺ: «ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ. فَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ. وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» . وَحُكِيَ أَنَّ الْإِسْكَنْدَرَ قَالَ لِحُكَمَاءِ الْهِنْدِ، وَقَدْ رَأَى قِلَّةَ الشَّرَائِعِ بِهَا: لِمَ صَارَتْ سُنَنُ بِلَادِكُمْ قَلِيلَةً؟ قَالُوا: لِإِعْطَائِنَا الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَلِعَدْلِ مُلُوكِنَا فِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، الْعَدْلُ أَوْ الشُّجَاعَةُ؟ قَالُوا: إذَا اُسْتُعْمِلَ الْعَدْلُ أَغْنَى عَنْ الشُّجَاعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ تَكُونُ مُدَّةُ الِائْتِلَافِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: إنَّ الْعَدْلَ مِيزَانُ اللَّهِ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْخَلْقِ، وَنَصَبَهُ لِلْحَقِّ، فَلَا تُخَالِفْهُ فِي مِيزَانِهِ، وَلَا تُعَارِضْهُ فِي سُلْطَانِهِ، وَاسْتَعِنْ عَلَى الْعَدْلِ بِخُلَّتَيْنِ: قِلَّةُ الطَّمَعِ، وَكَثْرَةُ الْوَرَعِ. فَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ مِنْ إحْدَى قَوَاعِدِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا انْتِظَامَ لَهَا إلَّا بِهِ، وَلَا صَلَاحَ فِيهَا إلَّا مَعَهُ، وَجَبَ أَنْ نَبْدَأَ بِعَدْلِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ بِعَدْلِهِ فِي غَيْرِهِ. فَأَمَّا عَدْلُهُ فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمَصَالِحِ، وَكَفِّهَا عَنْ الْقَبَائِحِ، ثُمَّ بِالْوُقُوفِ فِي أَحْوَالِهَا عَلَى أَعْدَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ تَجَاوُزٍ أَوْ تَقْصِيرٍ. فَإِنَّ التَّجَاوُزَ فِيهَا جَوْرٌ، وَالتَّقْصِيرَ فِيهَا ظُلْمٌ. وَمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَهُوَ لِغَيْرِهِ أَظْلَمُ، وَمَنْ جَارَ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِ أَجْوَرُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَوَانَى فِي نَفْسِهِ ضَاعَ. وَأَمَّا عَدْلُهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ يَنْقَسِمُ حَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: عَدْلُ الْإِنْسَانِ فِيمَنْ دُونَهُ كَالسُّلْطَانِ فِي رَعِيَّتِهِ، وَالرَّئِيسِ مَعَ صَحَابَتِهِ، فَعَدْلُهُ فِيهِمْ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: بِاتِّبَاعِ الْمَيْسُورِ، وَحَذْفِ الْمَعْسُورِ، وَتَرْكِ التَّسَلُّطِ بِالْقُوَّةِ، وَابْتِغَاءِ الْحَقِّ فِي

1 / 139