بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
رسالة في آداب الأكل
الحَمدُ لِلَهِ رَبي مُسبِغِ النِعَمِ ... وَالشُكرِ ثُم الثَنا لِلمانِحِ النَحلِ
الحمد الثنا مستحقه بذكر صفاته الجميلة وأفعاله الحسنة ونقيض الحمد وأصل الشكر البيان والاظهار وقيل هو مقلوب كشر يقال كشر الكلب عن أنيابه إذا قلص شفتيه عن أسنانه فظهرت.
ولا يكون الشكر الشكر إلا في مقابلة النعمة فعلى العبد أن يقابل نعم الله ﷾ بالطاعات قال الله ﷾: (إعمَلوا آل دَاوُدَ شُكرًا) الآية ١٢ - سبأ، أي اعملوا لأجل أن تشكروا ونقيض الشكر الكفر كما أن نقيض الحمد الذم قال تعالى: (فَمَن شَكَرَ فَإِنَما لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَهَ غَنيٌ حَميد) الآية ١٢ - لقمان وبين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه وذلك أنهما يجتمعان في مادة ويوجدن أحدهما بدون الآخر فيجتمعان عند مقابلة النعمة ويوجد الحمد بدون الشكر إذا كان لا في مقابلة نعمة ويوجد الشكر بدونه إذا كان بالفعل وحده إذ الحمد لا يكون إلا بالقول والشكر يكون بالفعل والقول معا.
والثنا قيل هو والنثا بتقديم النون على الثاء بمعنى واحد إلا أن الثنا ممدود والنثا مقصور وقيل الثنا في المدح والنثا بتقديم النون يستعمل في الذم يقال اثنى عيه خيرا وانثا عليه شرا إذا ذكره بسوء وهذا هو المعتبر في اللغة المانح المعطي والمنح العطايا.
1 / 7
والنحل جمع نحلة وهو ما تعلق بغير مقابل منه سمي المهر نحله لأن المرأة في الحقيقة تأخذه لا في مقابل لانها تستمتع كما يستمتع بها قال الزجاج (وسمي الله تعالى زنابير العسل نحلا لأن الله تعالى قد نحل للخلق العسل الذي يخرج من بطونها بلا مؤنة فهو عطية مبتدئة) .
يا طالِبًا لِخِصالٍ سادَ جامِعُها ... وَسائِلًا مَن حَواها سُؤلٍ مُبتَهِلِ
لا تَأخُذ العِلمَ إِلا عَن أَخي ثِقَةٍ ... يُعطي الرَشادَ بِهِ في واضِحِ السُبُلِ
وَدَع سُؤالِ الَّذي دَقَت دِيانَتُهُ ... وَاحذَر حُضورَكَ في الدَرسِ وَالجَدلِ
فَالطَبعُ لِصٌ فَلا تَجلِس إِلى فُسقٍ ... فَقُل أَن يَسلَمِ الآتِيه مِن زُللِ
كَجالِسِ الكيرِ إِن تَحضَد مُجالَسَةً ... وَفاتُكَ الشَوكُ لَم تَسلَم مِن الشُعَلِ
هذه الأبيات مشتملة على مقاصد منها: أنه يجب على الشخص أن لا يشتغل بالعلم ولا يأخذه غلا عن من ظهرت ديانته وانتشر علمه فإن العلم دين فلينظر إلى من يأخذ عنه دينه ولا يجوز الاعتماد في الفتوى على فاسق ومجهول الحال ولا يجوز أن يكون الفاسق مدرسا ولا قاضيا وسمعت الشيخ ﵀ يحكي في جواز مباحثه وجهان ومنها أن الانسان لا ينبغي له الجلوس إلى فاسق فإنه إن سلم في مشاركته في المعيشة لم يسلم من التخلق ببعض أخلاقه فإن الطبع يسرق عند الاجتماع من حيث لا يشعر الانسان ولهذا تقول العرب في أمثالها: الرفيق قبل الطريق والجار قبل الدار والطباع سراقه.
ثم وقع التشبيه بنافخ الكير وهو الحداد إن حضره إنسان وسلم من الشوك الذي عنده لم يسلم من الشعل التي يخرجها من النار لأنها عند الضرب عليها ينفصل منها قطع من النار تنال الجالس حول الكير وإلى هذا جاءت الاشارة في قوله ﷺ (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك أما أن يحذيك وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحة كريهة) وقوله يحذيك بالحاء المهملة وبالجيم أيضا ومعناه يعطيك ورواية الجيم موافقة لقوله تعالى: (أو جذوة من النار) الآية
1 / 8
٢٩ - القصص، وقول أهل السنة العقل والصرف لا يجذي أنه لا يعطي شيئا من الاحكام والله ﷾ أعلم.
إِنّ الأَمانَة لَم تحمِل عَلى أَكمِ ... وَلا سَماءَ وَلا أَرضُ وَلا جَبلُ
الأمانة الفرائض التي افترضها الله تعالى على عباده وشرط عليهم أن من أداها جوزي بالاحسان ومن خان فيها عوقب، عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال بعد أن أفهمها خطابه وأنطقها فقبلت وأطاعت واشفقت من حمل إثمها بسبب المخالفة هذا قول (الزجاج) ويدل على هذا القول قوله تعالى: (فَقالَ لَها وَلِلأرضِ إِئتيا طَوعًا وَكَرهًا قالَتا أَتينا طائِعين) الآية - فصلت.
وقال الواحدي: إن الله تعالى لما عرض عليها التكاليف أبت أن تحملها مخافة وخشية لا معصية ومخالفة وهو معنى قوله تعالى: (وَأشفَقنَ مِنها وَحَمَلَها الإِنسانُ إِنّهُ كانَ ظَلومًا جَهولًا) الآية ٧٢ - الأحزاب، غرا بأمر ربه والقول الأول صائر إلى أن أمره لها كان أمر عزم وحتم والقول الثاني يقول إنه كان أمر عرض لا أمر عزم ولهذا قال الله تعالى: (ما يُبَدَلُ القَولُ لَديَّ) الأية ١٩ - ق.
والأكم الجبال الصغار جمع أكمه.
فَالعِلمُ دَينٌ وَمَن ضَلت دِيانَتُهُ ... ضَلَ العُلومِ فَدَع مِن عادَ في جَهلِ
الإشارة بهذا البيت أن من كان عالما ولم ينتفع بعلمه نزل منزلة الجاهل بجامع عدم النفع بل هو أسوء حالا من الجاهل المقصر ويقال: (ويل للجاهل حيث لم يتعلم وويل للعالم حيث لم يعمل بعلمه أو بما علم مئة مر ة أو ألف مرة) .
قال الغزالي يرحمه الله - وغيره (العالم الذي لا يعمل بعلمه كالمصباح يحرق نفسه والضوء لغيره، وهو اشد عقوبة من الجاهل الذي لم يتعلم) .
وقال آخر: كلمة في التوراة (عالم لا يعمل بعمله هو الجاهل سواء) .
وضلت ذهبت فهو يستعلم في الذوان والمعاني ومن استماله في المعاني قوله ﷺ: (الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها)،
1 / 9
وضل العلوم فقدها حيث لم ينتفع بها.
قِف إِن شَكَكتَ وَلا تَقدُم عَلى عَملٍ ... قَبلَ السؤالِ فَإِن العَقلَ في عَقلِ
إن لَم تُكن بِسؤالِ العِلمِ مُحتَفِلا ... وَلا اِجتَهدتَ فَقُل يا ضَيعَةَ الأَجلِ
وَإِن عَلِمتَ وَلَم تَعمَل عَلى وَجلِ ... فَما رَبحتَ فَقُل يا خَيبَةَ الأَملِ
مَن لَم يَمُت في طُلابِ العِلمِ هِمَتُهُ ... فَلا حَياةَ لَهُ شَبَهَهُ بِالإِبِلِ
فَالعِلمُ رَأسٌ وَرأسُ مَن حَواهُ عَلا ... وَغَيرُهُ ذَنَبٌ قَد حَطَ عَن طولِ
كَم مِن جَهولٍ يَرى مِن خُلُقِهِ حَسنًا ... لَهُ اِعتِنا بِلبسِ التاجِ وَالحُلَلِ
فَإن حَواهُ اِجتِماعٌ قالَ ناظِرُهُ ... هَذا حِمارٌ أتَى لِلمَجلِسِ الحَفلِ
لا يَعدِلُ العِلمُ شيئٌ إِن يَفتَك فَقُل ... ياحَسرةً عَظُمَت يا قِلَةَ الحِيَلِ
المحتفل بالشيء هو الكثير التولع به والسؤال عن العلم وتعليمه واجب لقوله تعالى: (فَاسألوا أَهلَ الذِكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمون) الآية: ٧ - الانبياء والعمل بعد العلم واجب ويقال: ويل للجاهل حيث لم يتعلم وويل للعالم حيث لم يعلم بما علم سبعين مرة والربح أصله من التجارة وقد يستعلم في الثواب لقوله تعالى: (فَما رَبِحَت تِجارَتُهُم) الآية: ١٦ - البقرة. لمن اشترى الضلالة بالهدى.
طَلَبتُ آدابَ الأكلِ ما أَتاكَ فَخُذ ... وَراعٍ آدابَ ما يَأتي حِولُ.
1 / 10
الآداب: جمع أدب وهي اجتماع محاسن الاخلاق ومحاسنس العادات ومنه سميت المأدبة مأدبة لاجتماع الناس فيها والأدب يقع على الاحكام الخمسة فيقال للواجب أدب وكذلك بقية الاحكام ولذلك صح تفسير الأصحاب بباب آداب قضاء الحاجة ثم عدهم من تلك الآداب محرمات كإستقبال القبلة واستدبارها وكشف الزائد على الحاجة من العورة وواجبات كالاستنجاء ونحوه والاستنثار من البول ومكروهات كالبول في الماء الراكد والكلام قبل الفراغ من قضاء الحاجة ومستحبات كترك التكلم وتقدم اليمنى في الخروج واليسرى في الدخول والله أعلم.
إذا دُعيتَ إِلى قوتٍ أَجبهُ وَلو ... تُدعى إِلى قَريَةٍ وَاحذَر مِن الكَسلِ
لا تَحقِد الناسَ وَاشكُر ما قَد اصطَنعوا ... إِنَّ احتِقارَكَ كَبوٌ بيّنُ الخَللِ
إجابة الدعوة مستحبة لو بعد الموضع لقوله ﷺ: (لو أهي إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع الغميم لأجبت) .
وكراع موضع بين مكة والمدينة وبينهما أميال وهو كراع الغميم الذي أفطر فيه النبي ﷺ في رمضان.
ويقال في بعض الكتب المنزلة سر ميلا عد مريضا وسر ميلين شيع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في الله تعالى.
ومن المتكبرين من يجب دعوة الاغنياء دون الفقراء وهو خلاف السنة.
وكان رسول الله ﷺ يجيب دعوة العبد ودعوة المسكين.
ومر الحسين بن علي بن أبي طالب ﵄ بقوم من المساكين الذين يسألون
1 / 11
الناس على قارعة الطريق وقد نثروا كسرا على الأرض في الرمل وهم يأكلون فقالوا هلم الغدا يا بن رسول الله ﷺ فقال نعم إن الله لا يحب المتكبرين فنزل وقعد معهم وأكل ثم سلم عليهم وركب فقال قد أجبتكم فأجيبوني فقالوا نعم فوعدهم وقتا معلوما فحضروا فقدم إليهم فاخر الطعام وجلس يأكل معهم ﵁.
قال أبو تراب النخشي وهو بالنون والخاس المعجمتين والشين المثلثة والباء الموحدة فيا النسبة عرض عرض على طعام فأمتنعت فبليت بالجوع اربعة عشر يوما فعلمت أنها عقوبة.
وسميت القرية قرية لجمعها الناس والقرء بالفتح الاجتماع ومنه قرأت الماء في الحوض جمعته ومنه سمي القرآن قرآنا لأنه يجمع أمرًا ونهيًا وخبرًا ووعدًا ووعيدًا وغير ذلك وحكى الحافظ خلاف في الحد الذي يصير به البنيان قرية فقيل إذا صيت فيها الديك ونهق الحمار وقيل مع ذلك لا بد من صاحب صنعه كحايك.
اِفطَر مِنَ النَفلِ إِن يَدعوكَ ذو كَدَمِ ... شَقَ الصِيامِ عَليهِ لا إِلى بَدنِ
من دعي وهو صائم نفلا استحب له الإجابة والنظر إن شق صيامه على الداعي قال ﷺ في ذلك: (يتطولك إخوان إني صائم) ولا يجب القضاء على من افطر من النفل وإنما يستحب.
وَلا تَجِبُ امرأةٌ إِلا بِمَحرَمِها ... لا خَيرَ في خُلوَةِ الأُنثى مَعَ الرَجُلِ
إذا دعت امرأة حسناء رجلا إلى طعام لم تحل الاجابة إن دعته ليأكل عندها في خلومة محرمة فإن كان عندهما غيرهما جاز ووجبت الاجابة إن دعت إلى وليمة العرس وفي المرأة لغتان اخرتان مرة وامرأة.
1 / 12
وَليمَةُ العُرسِ لَبي مَن دَعاكَ لَها ... فَإِن ايتانَها مِن واجِبِ العَمَلِ
في اليَومِ الأَولِ لا في الثانِ لِثالِثِها ... تَسميعُ أهلِ الرَيا انى عَنهُ وَانفَصِلِ
في الاجابة إلى وليمة العرس ثلاثة أوجه أصحها فرض عين والثاني فرض كفاية والثالث سنة وإنما تجب أو تستحب بشروط: الأول أن يدعوه في اليوم الأول فإن أولم ثلاثة أيام لم تجب الاجابة في الثاني وتكره في الثالث لقوله ﷺ: (في اليوم الثالث غنه رياء وسمعة) رواه داود ولو أولم في يوم واحد مرتين فالذي يظهر أنه المرة الثانية كاليوم الثاني حتى لا تجب الاجابة.
فَإذا دَعا إثنانِ لبا أو لا بِنَعَم ... لِلسَبقِ حَقٌ فَلا تَعدِلِ إِلى حَولِ
عِند المَعيةِ لَبَى أَهلُ ذي رَحمِ ... ثُمّ الجِوارُ أَجَبهُم تارِكَ العُلَلِ
إذا دعا اثنان شخصا إلى وليمتين قال في الروضة أجاب السابق فإن جاءا معا فإن كان فيهما أحد من أقاربه وذوي رحمه إجابة فإن استووا في القرب أو البعد أجاب الأقرب منهما دارا ولم يذكر ما استوت دورهما في القرب والذي يظهر أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته أجابه وترك الآخر.
فإن تَكُن قاضِيًا فَاترُك إجابَتَها ... لا تَفتَح البابَ وَاقطَع عَلقَةَ الأَملِ
إذا كان المدعو إلى الوليمة قاضيا قال الرافعي في أبواب القضاء لم تجب عليه الاجابة بخلاف غيره وينبغي للقاضي أن يسد عنه أبواب الهدايا والضيافات ويقطع أمال
1 / 13
الناس وحيث وجبت الاجابة أو استحبت لا يجب الأكل على الصحيح لا على القاضي ولا على غيره وقيل يجب.
وَإِن دَعاكَ الَّذي في مالِهِ شَبَهٌ ... فاترُك إجابَتَهُ وَاذهَب إِلى سُبُلِ
وَإِن دَعاكَ حَرامُ المالِ دِعهُ وَقُل ... إِنّ الإجابَةَ حَرَمٌ واضِحُ الخَلَلِ
النّارُ أولى بِلُحمٍ بِالحَرامِ نَما ... أَطِب طَعامَكَ لا تُحَطِم عَلى دُغلِ
أَكلُ الخَبيثِ بِهِ يُعمى القُلوبَ فَلا ... تُحَدِث بِها ظُلمَةً تَفضي إلى كُلَلِ
دِع إِن دَعاكَ الَّذي في سَقفِهِ صورُ ... أو السُتورَ أو الجُدران أو حُلَلُ
أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ ... أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ
أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت ... أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل
أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ ... عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ
إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم ... وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ
هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي ﵀ لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ﷺ (لحم نبت من حرام النار أولى به) .
والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر.
قوله دع: أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة
1 / 14
عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز.
والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات.
وَما عَليكَ إِذا ما اِغتَبتُ مُبتَدئًا ... لِقَولِ رُشدٍ وَنُصحِ المُستَشيرِ وَلا
إِن تَذكُر العالَمَ المُخطِىءَ لِتابِعِهِ ... أَو تَستَعينَ عَلى ذي ذِلَةٍ عَدلا
أَو تَذكُر إِسمًا قَبيحًا عِندَ سامِعِهِ ... كي يَستَعينَ بِهِ مَقصودًا ما جَهِلا
كَأَسودٍ قالَ ذا أَو أَعورٍ مَثلاأو أَعمَشٍ مُخَيرًا أو أعمَشٍ مُخَيرًا أو أعرَجَ نَقلًا
وَعِصمَةُ القَرضِ في جُرحِ الفَتى سَقَطَت ... كَذلِكَ القَدحُ في الفَتوى قَد اِحتمَلا
كَذاكَ مَن يَشكو ظَلامَتُهُ ... إلى القٌضاة أو الوَلي إِذا عَدَلا
وَمظهَرُ البِدعَةِ اِذكُرها لِمُنكَرِها ... وَمُخبِىءُ البِدعَةِ اِذكُرهُ لِمَن جَهِلا
مَساوىءَ الخَصمِ إِن يَذكُر لِحاكِمِهِ ... حِينَ السُؤالِ أو الدَعوى فَلا تَهِلا
وَغيبَةُ الكافِرِ الحَربي قَد سَهَلَت ... وَعَكسُها غِيبَةَ الذمَي قَد عَقِلا
وَتارِكُ الدينِ لا فَرضَ الصَلاةِ فَلا ... أَخشى إِذا ما اِغتَبتُهُ جَلَلا
فهذه مواضع تباح فيها الغيبة: الأول نصح المستشير في النكاح عند إنسان أو معاملته أو جوازه تجب الغيبة والاختيار بحاله لقوله ﷺ: (إذا استنصح أَحَدَكُم أخاه فلينصح له) وفي نسخة (يجب عليك أن تخبره بحاله) .
1 / 15
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر.
الثالث: التعريف كما إذا كان الشخص لا يعرف إلا باسمه القبيح كالأعور والاعمش فلك أن تقول قال فلان الاعمش فإن أمكن التعريف بغيره فهو أولى من اسمه القبيح.
الرابع: الفتوى فللمستفي أن يقول للمفتي فلان ظلمني أو غصب مني فماذا يجب عليه وكذا إذا اشتكى عند الولاة والقضاة.
الخامس: إذا كان الإنسان لا يتكتم عيبه كمن يخبر عن نفسه بالعيب كالزنا والفواحش يجوز اغتيابه بما تجاهر به وعليه يحمل قوله ﷺ: (لا غيبة في فاسق) ويحرم اغتيابه بما تجاهر به وعليه يحمل قوله ﷺ: (لا غيبة في فاسق) ويحرم اغتيابه لغير ذلك إذا ذكره لا على وجه الندم والتوبة فإن ذكر عيبه على وجه الندم والتوبة حرم اغتيابه.
قال الغزالي في (الأحياء) لو كان المتجاهل بالفسق عالما حرمت غيبته مطلقا لأن الناس إذا سمعوا عنه إنه فعل هانت عندهم الفواحش وجسروا على فعلها. فعلى ذلته عمدتهم. وبها يحتج من أخطأ وذل.
ومن كانت عنده بدعة جاز اغتيابه حتى يحذره الناس والباقي واضح.
ومنها أي من موانع الاجابة إذا كان عنده كلب لغير سبب فإن اتخذه للصيد أو للماشية أو لحفظ الدور جاز ووجبت الاجابة ولو اقتنى كلب صيد
1 / 16
وهو لا يصيد حرم اقتناؤه لعدم الحاجة ومنها إذا كان عنده فرش خز أو حرير حرمت الاجابة وإنما تسقط الاجابة أو تحرم إذا لم يقدر المدعو على ازالة المنكرات فإن قدر على إزالتها وجبت الاجابة وإزالة المنكر.
فَلا تَجِب داعيًا في بابِهِ صورُ ... أو المَمَرِ أو الدِهليزِ أو سُفَلِ
كَصورَةٍ وَطِئَت أو في الإِنار رُسِمَت ... أو زالَ رَأسٌ لَها فَأَحضَر بِلا حَولِ
أو في السَماطِ أتَت أو خُبزٍ أو طَبَقِ ... أو الحَلاوَةِ فاحفَظ نَقلَ مُحتَفِلِ
أو صورَةٍ جُعِلَت كَالشَمسِ أو شَجَرِ ... لِفَقدِها الروحُ أو كالنَجمِ أو رَجُلِ
هذه صور لا تكون عذرا في ترك الاجابة منها: إذا كان في الباب صروة دون داخل الدار وجبت الاجابة ويجوز الحمام الذي على بابه صورة دون داخله وحكم ممر الدار ودهليزها حكم ما على بابها.
ومنها إذا كانت الصور على الأرض أو على ما يوطأ على الارض كالبساط والنطع والمخدة التي يتكأ عليها أو كانت تؤكل فكل هذه ليست اعذارا في منع الاجابة.
قالَ الَحليمي وَامنَع طِفلَهُ لَعِبًا ... وَهوَ الصَحيحُ فَقُم بِالمَنعِ وَاكتَفِل
أبو سَعيدٍ لَهُ التَجويزُ قَد نَسَبوا ... بَعلَةٌ قَد وَهَت عَن رُتبَةِ العُلَلِ
في جواز اتخاذ اللعب للبنات خلاف قال الحليمي في (المنهاج) هي حرام ونقل عن أبي سعيد الاصطخري أنه لما ولي حسبة بغداد لم ينكر ذلك وأنكره غيره لأنه من المحرمات وصحح النووي في شرح مسلم تصحيح التحريم والقائل بالجواز يعلل ذلك باعتيادهن على تربية الأولاد وملاطفتهن وهي علة ضعيفة واهية فلا تصح أن تكون باعثة على تنوع الحكم.
وَجهانِ قَد ذَكروا في فاقِدٍ شَبها ... مِثلُ الجَناحِ عَلى الأَنعامِ وَالرَجُلِ
إذا اتخذ صورة لا نظير لها في الوجود كبقرة بجناحين أو رجل بجناحين أو شاة أو جمل ففيه وجهان عن صاحب البحر.
وَفضَ الدَنانيرِ وَالدَرهامِ إِن نُقِشَت ... قَيسَ الجَوازِ بِما في ثوبِ مُبتَذِلِ
1 / 17
إذا نقشت صورة على درهم أو دينار فالقياس الحاقه بما إذا كانت الصورة على ثوب يلبس ويمتهن وأما إذا كانت على ثوب لا يلبس فيحرم ذلك بخلاف ما على البساط لأن الصور لا يحرم إلا ما نصب منها ولم يمتهن بالاستعمال حتى صار كالصنم المصور للعبادة وهذا غير موجود في صورة الدرهم والدرهام لغة في الدرهم كما قال الشافعي ﵀ لو كان لي مئة درهام لشريت بها دار في بني حرام.
والمبتذل المستعمل للشيء احترز به عن ثوب لا يستعمل بل تنصب لتصاويرها فإنه حرام كما سبق.
وَإن أجَبتَ إلى إتيان مأدَبَةٍ ... فَراعَ آدابٌ ما يأتيكَ في مَثلٍ
إذا أردتَ جُلوسا لِلطعامِ فَكُن ... حالَ الجُلوسِ عَلى اليُسرى وَلا تَحِل
المأدبة الطعام المتخذ بلا سبب سميت مأدبة باجتماع الناس بها وبقية الولائم في معناها إلا أن وليمة العرس تخالفها في وجوب الاجابة وغيرها يخالفها في التسمية فطعام الختان اعدار وطعام البنا وكيرة وطعام الميت وضيمة وطعام القادم من السفر نقيعة وهل هي على الحاضر أم على القادم من السفر وجهان.
ويستحب الجلوس حال الأكل على الجهة اليسرى
وَقَبلَ أكلِ تَطهُرٍ إِن تَكُن جَنبًا ... وَعِندَ فَقدٍ تَوضَأ وَاسعى في البَدلِ
يستحب للجنب التطهر قبل الاكل وكذا للمحدث فإن فقدا الماء تيمما
وَكُلٌ إذا وَضعوا مِن غَيرِ إذنِهِمي ... إنّ القَرينَةَ تَكفي طالِبَ الأَكلِ
هَذا إذا اكمَلوا وَضعَ السَماطِ وَلَم ... يُخلِط مِنَ القَومِ مَن يَأتِ عَلى مَهلِ
إذا اكملوا وضع السماد ولم يتأخر من القوم أحد جاز الاكل بغير اذن على الصحيح اكتفاءًا بالقرينة وقيل لا بد من صريح اللفظ.
1 / 18
وَالأَكلُ مُتَكِئًا كُرهًا رَوَوهُ فَدَع ... تُكبِرُ النَفسَ واخضَع خَضعَةَ الذُلِ
وَالأكلُ مُضطَجِعًا جاءَت كَراهَتُهُ ... كالشُربِ مُضَطجِعًا إلاّ مِن الثِقَلِ
يكره الأكل متكئا لأنه نوع تكبر وكان رسول الله صلى الله عليهوسلم ربما جثا على ركبتيه عند الأكل وجلس على ظهر قدميه وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى وكان يقول: (لا آكل متكئكا. إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد) . ويكره الأكل مضطجعا.
قال الغزالي في الأحياء (إلا أن يكون من الثقل) روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه أكل كعكا على برسن وهو مضطجع ويقال منبطح على ظهره، والشرب مضطجعا مكروه للمعدة أيضا.
وَأغسِل يَديكَ وَلا تَمسَح بِمَنشَفَةٍ ... قَبلَ الطَعامِ فَفَيهِ الأَمنُ مِن عِلَلٍ
وَأولًا تَغسِلُ الصِبيانَ أَيديهِم ... قَبلَ الشيُوخِ وَلا تَمسَح مِنَ البَلَلِ
1 / 19
وَآخِرُ يَغسِلُ الأشياخَ قَبلَهُم ... إنّ الكَراهَةَ فَرقٌ بَينَ الخَلَلِ
غسل اليد قبل الطعام ورد في الحديث ينفي الفقر وبعد الطعام ينفي اللمم واللمم الجنون ويستحب ترك تنشيفها قبل الطعام لأنه ربما كان في المنديل وسخ تعلق في اليد ويستحب تقديم الصبيان على الشيوخ في الغسل قبل الأكل
1 / 20
لأنه ربما فقد الماء لو قدمنا الشيوخ وأيدي الصبيان أقرب إلى الوسخ بخلاف ما بعد الطعام.
فإن الشيوخ تقدم كرامة لهم ذكره النووي في فتاويه.
وَابدَأ بِيُمناكَ في أَخذِ الطَعامِ ... وَكل مِما يَليكَ وَسَمِ اللَهَ وَامتَثِل
يستحب الأكل باليمين لأن الشيطان يأكل ويشرب بشماله ويستحب الأكل مما يلي الآكل كما يحرم الأكل، واستحب العبادي أن يقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء فإن ترك التسمية أتى بها في أثناء الأكل ويستحب التسمية جهرا وإذا سمى بعض القوم أجزأ عنهم ويستحب للجميع التسمية فإن حضر شخص في أثناء الأكل أستحب له التسمية.
وَنَق شَوكَ طَعامٍ أَنتَ آكِلُهُ ... وَلا تَكُن حاطِمًا يَومًا عَلى دَغلِ
كَحاطِبِ اللَيلِ إِن يَقبِض عَلى حَطَبِ ... حَوى البَلاءَ وَنوعَ الإِثمِ وَالأَصلِ
نَضيجَ فاكِهَةٍ قَبلَ الطَعامِ فَكُل ... ما لَم أَكلُهًُ فاطرَحهُ في الذُبَلِ
إذا كان في الطعام شوك فينبغي تنقيته قبل أكله والذي يأكله من غير تنقيته يسمى بحاطب ليل ووجه تسميته أنه لما أخذ من اللقمة شيئا يضره أشبه الذي يجمع الحطب في الليل لأن يجمع مع الحطب ما يضره من الحيات وغيرها وربما لسعته، وإذا احضروا مع الطعام فاكهة يستحب من جهة الطب اكلها قبل الطعام لأنه اسرع لهضمها قال في
1 / 21
الاحياء ويكره أكل ما لم يطب أكله من الفاكهة.
كُل بِالثَلاثِ إذا جَمَدَ الطَعامُ أتى ... وَبِالجَميعِ إذا سَمِح الطَعامُ وَلى
في الأَكل مِن أُصبِعٍ مَقتِ الإلهِ أتى ... دونَ الثَلاثِ فَفيها كَبر ذي خَيلٍ
قال العبادي إذا كان الطعام سمحا استحب الأكل بجميع الأصابيع وأن كان جامديا استحب الاكل بلاث: قال الشافعي ﵁: (الأكل بإصبع واحد مقت وباثنين كبر) .
فَضلُ الثَريدِ عَلى الطَعامِ أتى ... كَفضلِ عائشَةَ كُلُ النِساءِ المَثلِ
بين في الصحيح فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام قيل انما فضل الثريد على سائر الطعام لأنه ينمو على غيره وقيل لأنه يسهل تناوله في الزمن القريب لليونته بخلاف اليابس والله سبحانه أعلم.
وَإن أُوتيت بِأنواعِ الثِمارِ فَكُلُ ... مِن حَيثُ وَلا تَقرُب عَلى دُغلٍ
إِلاّ إذا قَرَرنوا أو كُنتَ صاحِبَهُ ... وَسامَحوكَ عَلى هَذاكَ فانتَحَل
وَكالثِمارِ زَبيبٌ قالَ بَعضُهُمُو ... وَمِثلُهُ عَنِبٌ فاحفَظ عَلى مَهلٍ
وَبعضُهُمُو قالَ خُص النَهيُ بِالشِركا ... دونَ الضيوفِ فَكَشفُ السِر فيهِ جلى
يستحب الأكل مما يلي الآكل إلا في الثمار فله أن يأكل من حيث شاء ونهى الرسول ﷺ عن القرآن في التمر والقرآن أن يأكل في كل أكله ثنتين أو
1 / 22
أكثر وألحق الطرطوش قال بعضهم النهي مخصوص بالشركاء إذا اشتركوا في شراء التمر والطعام يحرم على أحدهم أن يأكل أكثر من الآخر وفي غير الشركاء لا حرج وهذا أحسن ويستثنى من المنع ثلاث ثلاث صور الأولى إذا قرن الآكلون والثانية إذا سامحوه بذلك والثالثة إذا كان القارن صاحب التمر فإنه مالكه فله أن يفعل فيه ما شاء وله منهم من ذلك.
في مَدخَلٍ قالَ أَيضًا ذُو العِيالِ ... يُقرى الضيوفَ فَخُذ ذا عِندَ مِن قَبلِ
مِن حَيثُ شاءَ بِلا كُرهٍ يواكِلُهُم ... وَفي الَّذي قالَهُ نُوعٌ مِنَ الدَخلِ
وَفي الحَديثِ عُمومٌ شامِلٌ لَهُما ... أينَ الدَليلُ عَلى التَخصيصِ لِلعَمَلِ
استثنى أيضا في المدخل إذا كان الآكل هو المالك للطعام فهو كالثمار قال وكذا إن كان هو المنفق على العيال أكل من حيث شاء وفي الذي قاله نظر وفي قوله ﷺ (كل مما يليك) عموم شامل لهما ولغيرهما أي للمالك والمنفق ولكنه خص ذلك بالنهي وهو سائغ ويستحب الأكل مما يلي الآكل ويحرم من غير ما يليه نص عليه الشافعي ﵁ إلا في ثلاث صور: أحداهما الثمار وقد تقدمت إذا كان مالك الطعام ثالثها إذا كان هو المنفق على العيال قاله ابن الحاج في المدخل وفيه نظر كما تقدم.
وَإِن كَرِهتَ طَعامًا لا تَعِبهُ وَدَع ... كَلا أتى وَاضِحًا عَن سَيدِ الرُسُلِ
إذا أوتيت بطعام تكرهه فلا تعبه وأتركه واعتذر عن أكله (فما عاب رسول الله ﷺ طعاما قط، بل إن أعجبه أكله وإلا تركه) أخرجاه في الصحيحين.
وَإن شَبِعتَ فَلا تَبغي المَزيدَ فَقَد ... أَفتى بِتَحريمِهِ بادي السنا عَلى
أعني القَراقي فَخُذ ما قالَ مُعتَمِلًا ... وَكُن عَلى ثِقَةٍ مِن نَقلٍ مُحتَفِلِ
1 / 23
قال القراقي في (شرح التنقيح) أنه يحرم على الآكل على سماط الغير أن يزيد في الشبع بخلاف الآكل نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل المدعو فله أن يأكل ما شاء والشبع الشرعي أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل والشبع المعتاد أن يملأ ثلث بطنه وهو ستة أشبار كما سيأتي.
مِصرانَةَ المَرءِ قَد قاسوا وَقَد بَلغَت ... عِشرينَ شِبرًا سِوى شِبرين فاحتَفِل
فَثُلُثُها سِتَةٍ بِالشِبرِ فاعنِ بِهِ ... وَخَل ثُلثا وَثُلثا قَط لا تَحِلُ
وَنَقَلَ طَرطوشِهِم هَذا القِياس فَخُذ ... إِن الَّذي قالَهُ خالٍ مِن العِلَلِ
ذكر الطرطوش في (شرح الرسالة) أن مصرانة الآدمي ثمانية عشر شبرا قال وينبغي ألا يزيد الأكل عن ثلثها وهو ستة أشبار.
وَالأَكلُ أَنواعُهُ في سَبعَةٍ حُصِرَت ... في مَدخَلٍ عَدَها خُذها بِلا مَلَلِ
فأولُ واجِبٍ حِفظُ الحَياةِ فَقَط ... وَثانِها قُم بِهِ لِلفَرضِ وَاشتَغِل
1 / 24
وَثالِثُ سُنَةٍ أدى نوافِلُهُ ... حالَ القِيامِ فَقُم لِلفَرضِ وَالنَفلِ
وَرابِعُ شَبَعٍ في الشَرعِ قوتَهُ ... يُقيمُ صُلبَ الفَتى لِلكَسبِ وَالعَمل
وَخامِسُ شِبَعٍ يُخشى بِهِ تَلَفُ ... جاءَت اِباحَتُهُ عَن سَيدِ الرُسُل
وَسادِسُ جائِزٍ جاءَت كَراهَتُهُ ... وَفِعلُهُ جالِبٌ لِلنَومِ وَالثِقَلِ
وَسابِعٌ بَطنُهُ تَفضي إلى مَرضٍ ... فَالنَقلُ تَحريمُها فاحذَر مِنَ الدُغَلِ
هذه الانواع ذكر معظمها في المدخل الأول أن يأكل ما تحصل به الحياة فقط.
الثاني: أن يزيد على ذلك مقدارا تحصل له به قوة على أداء الصلوات الخمس من قيام دون النوافل وهذان واجبان مثلهما الأكل في رمضان وغيره من الصوم فيجب أن يأكل ما يقويه على الصوم.
الثالث: أن يأكل ما تحصل له به قوة على قيام النفل وعلى صلاة النفل من قيام وهذا مستحب.
الرابع: أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل وهذا هو الشبع الشرعي قال ﷺ: (بحسب اِبنِ آدم لقيمات يقمن صلبه للكسب فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) .
الخامس: أن يأكل إلى ثلث بطنه وقد سبق أنه ستة أشبار وهذا لا كراهة فيه.
السادس: أن يزيد على ذلك وهو مكروه وبه يحصل للانسان الثقل والنوم.
قال لقمان لابنه (يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الاعضاء عن العبادة) وقال بعض الحكماء: من كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر نومه ومن كثر نومه كثر لحمه ومن كثر لحمه قسا قلبه ومن قسا قلبه غرق في الآثام وهذه القسم غلبت عليه عادة الناس.
1 / 25
السابع: أن يأكل زيادة على ذلك إلى أن يتضرر وهي البطنة قال رسول الله ﷺ: (أصل كل داء البردة) سميت بردة لأنها تبرد المعدة عن هضم الطعام فيتولد من ذلك أمراض قال ابن الحاج: وهذا القسم حرام ومن العلماء من فسر البردة بادخال الطعام على الطعام الأول قبل هضمه وسيأتي أن ذلك إنما يضر بعد الشرب أما قبل الشرب فله أن يدخل ما شاء على ما شاء.
في حَد جوعِ الفَتى قولان قيلَ بأَنّ ... يَشهَى لَهُ الأَكلُ مُختَلِطُ لَدى الأَكلِ
وَقيلَ إِن وَقَعت في الأَرضِ رِيقَتُهُ ... شَمَّ الذُبابُ وَشَدَّ السَيرُ في عَجَل
حد الشبع قد تقدم وأما الجوع فحكى الغزالي فيه قولان في الإحياء أحدهما أن يشتهي الخبز وحده فإن أتى بالخبز وطلب معه الأدم فغير جوعان.
الثاني أن ينتهي به الجوع إلى حد لو وقعت ريقته على الأرض لم يقع الذباب عليها لخلوها من آثار دسومات الطعام وقوله يشهي هو بغير تاء ويشتهي لغتان قال الشاعر:
أكَلَت الذُبابُ فَما عِفَتُها ... وَلأَني لاشَهى قَديدَ الغَنَمِ
وَلَحمُ الخَروفِ نَضيجًا وَقَد ... أوتَيتَ بِهِ فاتِرًا في الشَبَمِ
فأَما البَهيضُ وَحنيانَكُم ... فَأَصبحَت مِنها كَثيرَ السَقَمِ
والشبم البارد والبهيض بالباء والضاد المعجمة الارز باللبن انشد هذه الأبيات مع أبيات بعدها الحافظ والله ﷾ أعلم.
وَإن طَعِمَت فَأسير مِن طَعامِهِم ... وَمِن شَرابِكَ لَيسَ الَعلُ كالنَهلِ
يَنبَغي لِلآكلِ عِندَ غَيرِهِ أَن يَتركَ من الطعام بقية وكذا من الشراب لئلا تخجل
1 / 26