أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Muhammad Sulayman al-Ashqar d. 1430 AH
98

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Maison d'édition

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Numéro d'édition

السادسة

Année de publication

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

Genres

تفصيلاته، شيء واحد. ولكونه معتادًا، ينصرف إليه القول إذا سمِّي باسمه الخاص. فلو أريد تبيان الجنابة الموجبة للغسل بالقول مثلًا، كقوله ﷺ: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" (١)، أو اغتسل فعلًا من التقاء الختانين، حصل بيان الجنابة بكل منهما على التساوي. والثاني: وهو ما له نظير في المعتاد، ولو كان مركبًا. كما لو طلبْتَ من البنّاء أن يبني لك بيتًا على أن يكون مماثلًا لبيت معين مبنيّ فعلًا، وكان الاسم الموضوع لذلك النوع يطلق عليه بتفاصيل كثيرة إلا أنها معتادة ومتعارف عليها. فيكفي القول، ويقوم مقام الفعل، والفعل يقوم مقامه تمامًا. القسم الثاني: الأفعال المركبة الكثيرة التفاصيل، من أركان وشروط ومستحسنات، وتلحقها مبطلات وعوارض، ولم تجربها عادة بين الناس تحدِّد المراد باللفظ تحديدًا وافيًا. فحينئذ يكون البيان لها بالفعل أبلغ "من جهة بيان الكيفيّات المعيّنة المخصوصة التي لا يبلغها البيان القولي. ولذلك بيّن النبي ﷺ الصلاة بفعله لأمته، والحج، والطهارة، وإن جاء فيها بيانٌ بالقول، فإنه إذا عرض نصُّ الطهارة في القرآن على عين ما تلقي بالفعل من الرسول ﷺ، كان المدرك بالحسِّ من الفعل، فوق المدرك بالعقل من النّص، لا محالة. وهَبْه ﷺ زاد بالوحي الخاصّ أمورًا لا تدرك من النصّ على الخصوص، فتلك الزيادات بعد البيان إذا عرضت على النص لم ينافها، بل يقبلها، كما في آية الوضوء". فالفعل من هذه الجهة أبلغ. أقول: ومثاله من الواقع ما لو أردت أن تبيّن صفة حيوان غريب لم يره السامعون من قبل، فوصفت تفاصيل خلقته وحجمه ولونه وطباعه، فمهما اطنبت في ذكر التفاصيل قولًا، فلن تتكون لدى السامعين الصورة المطابقة للحقيقة بتفاصيلها، فلو أريتهم الصورة الشمسية الملوّنة لذلك الحيوان، اتّضحت الفكرة عنه أكثر، فلو أريتهم تمثالًا مجسّمًا للحيوان بنفس حجمه ولونه تعاظم وضوح الفكرة. ثم لو أريتهم الحيوان نفسه، فرأوه بأعينهم، ولمسوه بأيديهم، ورأوا أحواله وحركاته، وشاهدوا طباعه، فإنهم يعلمون من تفاصيل ذلك ما لم يعرفوه بسماع

(١) رواه ابن ماجه (الفتح الكبير).

1 / 103