232

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Maison d'édition

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Numéro d'édition

السادسة

Année de publication

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

Genres

فهذه الأضراب وأمثالها قد وقع من النبي ﷺ الكثير من أفرادها ونقل إلينا أشياء من ذلك.
والنظر في الأحكام التي يمكن أن تدل عليها مثل تلك الأفعال من وجهين:
الوجه الأول: أصل الطب والزراعة والصناعة والتجارة والقصد إلى تحصيل المكاسب، والسعي لتحقيق التدابير المدنية والعسكرية المناسبة، ونحو ذلك، يستفاد من فعله ﷺ في ذلك إباحته، وأنه لا يخالف العقيدة ولا الشريعة. وقد يترقّى، إلى درجة الاستحباب أو الوجوب، بحسب الأحوال الداعية إليه.
وفي الحديث القولي إشارة إلى ذلك حيث قال ﷺ: "ما أكل أحد طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" (١).
ومن قال في الأمور الجبلية التي فعلها ﷺ إنه يستحب لنا التأسيّ بها، فكذلك يقول هنا، ومن ادّعى الوجوب فكذلك. إلاّ أن القول بأن الأصل فيها الإباحة أصوب، كما تقدم في أفعال الجِبِلّة الاختيارية.
الوجه الثاني: الأمر الذي عمله بخصوصه، هو مباح له، وقد يكون مستحبًا له، أو واجبًا عليه، لاعتقاده ﷺ أنه هو المؤدي إلى غرض مستحب أو واجب. ولكن هل يكون حكم مثله بالنسبة إلينا كذلك، كما لو شرب دواءً معينًا لعلاج مرض معين، فهل يستحب لنا شرب ذلك الدواء لذلك المرض مثلًا، أو يجب، بل هل يباح بناء على ذلك أم لا؟.
هذا ينبني على أصل، وهو أن اعتقاداته أو ظنونه ﷺ في الأمور الدنيوية هل يلزم أن تكون مطابقة للواقع، بمقتضى نبوته، أو أن هذا أمر لا صلة له بالنبوّة؟.
اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه ﷺ معصوم من خطأ الاعتقاد في أمور الدنيا. بل كل ما يعتقده في ذلك فهو مطابق للواقع.

(١) رواه البخاري ٤/ ٣٠٣

1 / 241