Figures de la pensée islamique contemporaine
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Genres
كذلك كان من أسباب ضيق الأزهريين بتولية الشيخ حسونة شيخا للأزهر، أنه تولى خلفا للشيخ الإنبابي المشهود له بالعلم والفضل والتقوى بين الخاصة والعامة، وقد أشاع بعض الحاقدين أن الشيخ حسونة مطبوع على الشدة والجفاء في مخاطبة الناس ومعاملتهم، وأنه بعد التولية داخله شيء من الزهو والخيلاء، كما أشاعوا أنه ممالئ للإنجليز على هدم مكانة الأزهر بإدخال العلوم الجديدة فيه.
وفي عهد توليته على الأزهر، وقعت حادثة الوباء التي امتنع فيها الطلبة بإغراء بعض متهوريهم عن الإذعان لأوامر الحكومة، واعتصموا بالأزهر، وقاوموا رجال الشرطة ورموهم بالأحجار، حتى أصيب محمد ماهر «باشا» محافظ القاهرة بحجر أدمى وجهه، فأحيط بهم ورموا بالرصاص، فجرح بعضهم، ثم قبض على زعمائهم، وحكم على بعضهم بالسجن وعلى البعض الآخر بالنفي، وأغلق رواق الشوام لأن حركة التمرد بدأت منه.
وانتهز هذه الفرصة أعداء الشيخ النواوي وانتصروا للطلبة، وأخذوا يرمون الشيخ بالضعف والتهاون عن الدفاع عن حرمة المسجد والمحاماة عن أهله، فرد الله كيدهم في نحورهم.
ولما توفي الشيخ محمد المهدي العباسي سنة 1315ه، أضيف منصب الإفتاء الذي كان يشغله إلى الشيخ النواوي بجانب رياسة الأزهر.
واستمر الشيخ النواوي جامعا للمنصبين، حتى وقع الخلاف الكبير أواخر سنة 1316ه بشأن إصلاح المحاكم الشرعية، وعرض على مجلس شورى القوانين اقتراح بندب قاضيين من مستشاري محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركا قضاة المحكمة الشرعية العليا في الحكم، فوقف الشيخ حسونة ضد ذلك الاقتراح، وجرت مناقشة بين الشيخ ورئيس النظار مصطفى فهمي «باشا» انتهت بأن غادر الشيخ المجلس مغضبا محتجا.
وأكبر الناس موقف الشيخ، ولا سيما بعد أن سرى إلى الأذهان أن الحكومة تريد هدم الشريعة بذلك المشروع، ولكن النظار أحفظهم ما واجه به الشيخ رئيسهم، وحرك ذلك ما كان في صدورهم منه يوم أرادوا منع الحج احتجاجا بالوباء، واستفتوه ليجعلوا فتواه عصا يتوكئون عليها كلما أرادوا منع الحج، وظنوا أنه يوافقهم، لكنه أخلف ظنهم وأفتى بعدم جواز المنع، فلما كانت حادثته مع رئيس النظار، شكوه إلى الخديو وطلبوا عزله.
وحاول الخديو حمل الشيخ على قبول الاقتراح بعد تعديله وتغيير ما يراه مخالفا الشرع منه، فأصر على الامتناع، وقال: «إن المحكمة الشرعية العليا قائمة مقام المفتي في أكثر أحكامها، ومهما يكن من التغيير في الاقتراح فإنه لا يخرجه عن مخالفته للشرع؛ لأن شرط تولية المفتي مفقود في قضاة الاستئناف.»
وتألم الخديو من الشدة في كلام الشيخ، فمال لرأي نظاره فيه، ثم أصدر أمره يوم السبت 24 المحرم سنة 1317ه بعزل الشيخ عن رياسة الأزهر والإفتاء، وإقامة ابن عمه الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي شيخا على الأزهر، والشيخ محمد عبده المستشار بالاستئناف الأهلي مفتيا.
ولما أذيع الأمر كثرت وفود العلماء والوجهاء على دار المترجم، وانطلقت الألسنة بمدحه والثناء عليه، وتعلقت به القلوب، وأقبل الناس عليه أي إقبال، وتحققوا بطلان ما اتهمه به خصومه.
والحقيقة أن الشيخ لم يعهد عليه ما يشين دينه ولا دنياه، بل عرف بالعفة وعلو الهمة ونقاء اليد. ولولا جفاء كان يبدو بعض الأحيان في منطقه، وشدة فيه يراها بعض الناس غلظة، ويعدها البعض شهامة، لحفظ ناموس العلم، خصوصا مع الكبراء الذين أفسدهم تملق علماء السوء وحملهم على الاستهانة بهذه الطائفة.
Page inconnue