Figures de la pensée islamique contemporaine
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Genres
وإنما يظهر حسن هذا الزجل لمن يعرف المذكورين فيه فيطبق ما ذكره عنهم على هيئاتهم وأحوالهم، ومراده بالقدوري والدميري شخصان كان يلقبهما بهذين اللقبين، والسبب في ذلك أنني أطلعته على رسالة عندي جمعها الشيخ أحمد الفحماوي صاحب الخط الحسن المشهور بكتابة لزوم ما لا يلزم للمعري، وسماها «بنات أفكار وعرائس أبكار» في ألقاب أهل العصر، ذكر بها كنى وألقابا وضعها لفضلاء أواخر القرن الثالث عشر عبد الحميد بك نافع وإبراهيم أفندي طاهر الشاعر الرقيق المشهور على سبيل المزاح والدعابة، فلقبا كل واحد بلقب شاعر متقدم أو رجل مشهور يوافق اسمه هيئة الملقب به أو شيئا يغلب على أخلاقه وأحواله، كتلقيبهما مصطفى أفندي المنعوت بكامل بالعكوك لأنه كان قصيرا جدا معوج القدمين، وتلقيبهما الشيخ محمد الرافعي الكبير شيخ رواق الشاميين بالأزهر وأحد كبار علمائه بملا مسكين لأنه كان نحيفا وبقوامه بعض احديداب يرى كأنه تواضع وانكسار، وتلقيبهما عبد الغني «بك» أبا المترجم بالأخطل؛ لأنه كان ضخم الجسم كبير الهامة.
فلما اطلع المترجم عليها جن بها جنونا، وشرع في وضع رسالة تماثلها في فضلاء عصره، وسألني مشاركته فيها كما فعل ذانك الأديبان، فامتنعت خشية اللوم، فانفرد هو بتأليفها، وأتى فيها بغرائب ذهب أغلبها عن الذهن لطول العهد، فمن ذلك تلقيبه للعالم الفاضل علي رفاعة «باشا» ابن رفاعة «بك» المشهور: بابن المقفع لنحافته ودخول شدقيه، وتلقيبه للعالم الفاضل يحيى أفندي الأفغاني: بالقدوري لغرابة شكله وقصر ساقيه تشبيها له بالقدر من الفخار، والقدوري اسم عالم من الحنفية مشهور، وكان الشيخ محمد الحفني المهدي ابن أخي مفتي مصر الشيخ العباسي المهدي ولعا بذم الناس، منقبا عن معايبهم، لهجا بها في المجالس، لم يسلم منه أحد حتى عمه، واشتهر بذلك حتى أبغضه عارفوه وتحاموا عن الاجتماع به، فلقبه: بابن هرمة، وهي كلمة سب عند العامة، فقلت له: هذا لا يستقيم لك؛ لأن ابن هرمة الشاعر بفتح أوله، فتأفف وقال: لا أجد له لقبا ينطبق عليه غير هذا، فدعني من شنقيطيتك.
ثم لما فرغ منها سألته عما لقب به نفسه، ففكر وقال: أحسن لقب ينزل علي: ابن قتيبة، ثم تركه وتلقب بالمقوقس، وضاعت هذه الرسالة فيما ضاع من أوراقه وأشعاره، ويغلب على الظن أنه مزقها لأنه وقع له بسببها نفور بينه وبين بعض من لقبهم، فإنه لما لقب صاحبنا وصاحبه الشيخ أحمد مفتاح لسلامة طويته: بالأبله البغدادي، غضب منه وكاد يتفاقم الشر بينهما، وغضب منه صاحب آخر كان قصيرا ممتلئا يتدحدح في مشيته كما يتدحدح البط؛ لأنه لقبه بابن بطوطة، فأخفى الرسالة لهذا السبب وطوى ذكرها.
وكان رحمه الله مجيدا في الزجل، متقنا لصياغة الأدوار التي يتغنى بها، وأكثر ما كان متداولا منها بين المغنين في عصره كان من نظمه، وأما شعره فالإجادة فيه قليلة، إلا ما ضمنه النكت والتنديرات العامية، فمن أحسن ما وقفت عليه منه قوله من مرثية في صاحبه علي رفاعة «باشا»:
جزعت وللحر أن يجزعا
وودعت صبري إذ ودعا
وجادت عيوني على بخلها
وحق لها اليوم أن تدمعا
وروع قلبي النوى بعدما
أمنت ومثلي كم روعا
Page inconnue