أقاويل المتكلمين، لإصابة الثواب وتمييز القشر من اللباب: أنّ كلًّا منهم لم يزل حائرًا في تجاذب أقوال الأصوليين ومعقولاتهم، وأنه لم يستقرّ في قلبه منها قولٌ ولم يَبِن له من مضمونها حقّ. بل رآها كلَّها موقعة في الحيرة والتضليل، وجُلّها مذعن بتكافؤ الأدلة والتعليل. وأنه كان خائفًا على نفسه من الوقوع بسببها في التشكيك والتعطيل، حتى منّ الله تعالى عليه بمطالعته مؤلفات هذا الإمام أحمد ابن تيمية شيخ الإسلام، مما أورده من النقليات والعقليات في هذا النظام. فما هو إلا أن وقف عليها وفهمها، فرآها موافقة للعقل السليم وعَلِمَها، حتى انجلى ما كان قد غشيه من أحوال المتكلمين من الظلام، وزال عنه ما خاف أن يقع فيه من الشكّ وظفر بالمرام (^١).
ومن أراد اختبار صحة ما قلته، فليقف بعين الإنصاف، العَرِيّة عن الحسد والانحراف، إن شاء على مختصراته في هذا الشأن، كـ «شرح الأصبهانية» ونحوها، وإن شاء على مطولاته، كـ «تخليص التلبيس من تأسيس التقديس»، و«الموافقة بين العقل والنقل»، و«منهاج الاستقامة والاعتدال»، فإنه والله يظفر بالحق والبيان، ويستمسك بأوضح برهان، ويزن حينئذ ذلك بأصحّ ميزان.
ولقد أكثر ــ ﵁ ــ التصنيف في الأصول فضلًا عن غيره من
_________
(^١) أظنه عنى بهذا الكلام الشيخ عبد الله بن حامد الشافعي، وقد أرسل رسالتين بهذا الخصوص لتلاميذ شيخ الإسلام يشرح فيها بالتفصيل حكايته، ويتحسر على عدم لقاء الشيخ، الرسالة الأولى إلى ابن رشيّق، وهي في «الجامع لسيرة ابن تيمية» (ص ٢٤١ - ٢٤٥)، والثانية إلى ابن بُخيخ، وهي في «تكملة الجامع» (ص ٥١ - ٦٤).
1 / 754