أمّا معرفته وبصره بسنّة رسول الله ﷺ وأقواله وأفعاله وقضاياه ووقائعه وغزواته، وسراياه وبعوثه، وما خصّه الله تعالى من كراماته ومعجزاته، ومعرفته بصحيح المنقول عنه وسقيمه، والمنقول عن الصحابة ﵃ في أقوالهم وأفعالهم وقضاياهم وفتاويهم وأحوالهم، وأحوال مجاهداتهم في دين الله، وما خُصوا به من بين الأمة= فإنه كان ــ ﵁ ــ من أضبط الناس لذلك، وأعرفهم فيه، وأسرعهم استحضارًا لما يريده منه.
فإنه قلّ أن ذَكَر حديثًا في مصنّفٍ وفتوى، أو استشهد به، أو استدلّ به، إلا عزاه في أيّ دواوين الإسلام هو، ومن أيّ قسم من الصحيح أو الحسن أو غيرها. وذَكَر اسم راويه من الصحابة. وقلّ أن يُسأل عن أثرٍ إلا وبيّن في الحال حاله، وحال أمره (^١) وذكره.
ومن أعجب الأشياء في ذلك: أنه في محنته الأولى بمصر (^٢) لمّا أُخِذَ وسُجن، وحيل بينه وبين كتبه، صنف عدّة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء وأسماء المحدِّثين والمؤلفين ومؤلفاتهم، وعزا كلَّ شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذلك فيها، وفي أي موضع هو منها. كلُّ ذلك بديهة من حفظه؛ لأنّه لم يكن عنده حينئذٍ كتاب يُطالعه. ونُقِّبَت (^٣)
_________
(^١) كذا، ولعلها: «راويه» أو نحوه.
(^٢) سنة (٧٠٥).
(^٣) في (ل): «نقيت» وفي (ط المنجد): «نُفِيت».
1 / 745