Abou des Martyrs Hussein Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Genres
فلما نعي الحسين في الكوفة نادى واليها ابن زياد إلى الصلاة الجامعة، وصعد إلى المنبر، وخطب القوم فقال: «الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته.»
فما أتمها حتى وثب له من جانب المسجد شيخ ضرير هو عبد الله بن عفيف الأزدي الذي ذهبت إحدى عينيه يوم الجمل، وذهبت عينه الأخرى يوم صفين، فصاح بالوالي غداة يوم انتصاره وزهوه: «يابن مرجانة! أتقتل أبناء النبيين، وتقوم على المنبر مقام الصديقين؟ وإنما الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه.»
فما طلع عليه الصباح إلا وهو مصلوب.
إلى هذا الأفق الأعلى من الأريحية والنخوة ارتفعت بالنفس الإنسانية نصرة الحسين.
وإلى الأغوار المرذولة من الخسة والأثرة هبطت بالنفس الإنسانية نصرة يزيد. وحسبك من خسة ناصريه، أنهم كانوا يجزون بالحطام وهتك الأعراض على غزو «المدينة» النبوية واستباحة ذمارها فيسرعون إلى الجزاء، يسرعون إليه وليسوا هم بكافرين بالنبي الدفين في تلك المدينة، فيكون لهم عذر الإقدام على أمر لا يعتقدون فيه التحريم!
بل حسبك من خسة ناصريه أنهم كانوا يرعدون من مواجهة الحسين بالضرب في كربلاء؛ لاعتقادهم بكرامته وحقه، ثم ينتزعون لباسه ولباس نسائه فيما انتزعوه من أسلاب! ولو أنهم كانوا يكفرون بدينه وبرسالة جده، لكانوا في شرعة المروءة أقل خسة من ذاك. •••
وتتقابل وسائل النجاح في المزاجين كما تتقابل المقاصد والغايات.
فكان شعار معاوية وأشياعه: «إن لله جنودا من العسل.» وهو يعني العسل الذي يداف بالسم؛ ليخلي طريق النجاح من كل معترض فيها ولو كان من الأصدقاء، فكثرت روايات المؤرخين عن مقتل الحسن بن علي والأشتر النخعي بهؤلاء الجنود! وأعجب منها ما قيل عن مقتل عبد الرحمن بن خالد، وقد كان نصيرا لمعاوية في حروب الشام؛ فإنه قد مات مسموما على ما اشتهر من الروايات لأنه رشح للخلافة بعد معاوية دون يزيد، وعلم ذلك أقرباء عبد الرحمن بن خالد، فقتلوا طبيب معاوية «ابن أثال» الذي اتهموه بسمه في الدواء.
ولو استباح الحسين وشيعته هذه الوسائل مرة واحدة، لكانوا وشيكين أن يبلغوا مقصدهم من قريب، فقد كان هانئ بن عروة شيخ كندة من أنصار الحسين وأبيه، وكانت كندة كلها تطيعه وتلبيه حتى قيل إنه «إذا صرخ لباه منهم ألف سيف». فزاره عبيد الله بن زياد - والي يزيد على الكوفة - ليعوده في بعض مرضه ويتألفه ويستميله إليه، وقيل: إن هانئا عرض على مسلم بن عقيل بن أبي طالب أن يقتل عبيد الله بن زياد وهو عنده، وقيل: إن الذي عرض ذلك رجل من صحبة هانئ المقربين، فأبى مسلم ما عرضه هذا وذاك، وهو يومئذ طلبة ذلك الوالي، وجنوده قد تعقبوه وأهدروا دمه وأجزلوا الوعود لمن يسلمه أو يدل عليه، وقال: «إنا أهل بيت نكره الغدر.» ولو أنه بطش بابن زياد، لقد بطش يومئذ بأكبر أنصار يزيد.
وليقل من شاء: إن قتل ابن زياد كان صوابا راجحا.
Page inconnue