Abou des Martyrs Hussein Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Genres
فاندفعوا إليه تحت عيني شمر مخافة من وشايته وعقابه، وضربه زرعة بن شريك التميمي على يده اليسرى فقطعها، وضربه غيره على عاتقه فخر على وجهه، ثم جعل يقوم ويكبو وهم يطعنونه بالرماح ويضربونه بالسيف حتى سكن حراكه، ووجدت به بعد موته - رضوان الله عليه - ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير إصابة النبل والسهام، وأحصاها بعضهم في ثيابه فإذا هي مائة وعشرون.
ونزل خولي بن يزيد الأصبحي ليحتز رأسه، فملكته رعدة في يديه وجسده، فنحاه شمر وهو يقول له: فت الله في عضدك!
واحتز الرأس وأبى إلا أن يسلمه إليه في رعدته؛ سخرية به وتماديا في الشر، وتحديا به لمن عسى أن ينعاه عليه! وقضى الله على هذا الخبيث الوضر أن يصف نفسه بفعله وصفا لا يطرقه الشك والاتهام، فكان ضغنه هذا كله ضغنا لا معنى له ولا باعث إليه إلا أنه من أولئك الذين يخزيهم اللؤم فيسليهم بعض السلوى أن يؤلموا به الكرام، ويجلعوه تحديا مكشوفا كأنه معرض للزهو والفخار، وهم يعلمون أنه لا يفخر به ولا يزهى! ولكنهم يبلغون به مأربهم إذا آلموا به من يحس فيهم الضعة والعار.
وبقيت ذروة من الحمية يرتفع إليها مرتفع.
وبقيت وهدة من الخسة ينحدر إليها منحدرون كثيرون.
فلم يكن في عسكر الحسين كله إلا رمق واحد من الحياة باق في رجل طعين مثخن بالجراح، تركوه ولم يجهزوا عليه لظنهم أنه قد مات.
ذلك الرجل الكريم هو سويد بن أبي المطاع أصدق الأنصار وأنبل الأبطال.
فأبى الله لهذا الرمق الضعيف أن يفارق الدنيا بغير مكرمة يتم بها مكرمات يومه، وتشتمل عليها النفوس الكثيرات فإذا هي حسبها من شرف مجد وثناء. •••
تنادى القوم بمصرع الحسين فبلغت صيحتهم مسمعه الذي أثقله النزع وأوشك أن يجهل ما يسمع. فلم يخطر له أن يسكن لينجو وقد ذهب الأمل وحم الختام، ولم يخطر له أنه ضعيف منزوف يعجل به القوم قبل أن ينال من القوم أهون منال، ولم يحسب حساب شيء في تلك اللحظة العصيبة إلا أن يجاهد في القوم بما استطاع، بالغا ما بلغ من ضعف هذا المستطاع.
فالتمس سيفه فإذا هم قد سلبوه، ونظر إلى شيء يجاهد به فلم تقع يده إلا على مدية صغيرة لا غناء بها مع السيوف والرماح، ولكنه قنع بها وغالب الوهن والموت، ثم وثب على قدميه من بين الموتى وثبة المستيئس الذي لا يفر من شيء ولا يبالي من يصيب وما يصاب. فتولاهم الذعر وشلت أيديهم التي كانت خليقة أن تمتد إليه، وانطلق هو يثخن فيهم قتلا وجرحا حتى أفاقوا له من ذعرهم ومن شغلهم بضجتهم وغيمتهم. فلم يقووا عليه حتى تعاون على قتله رجلان، فكان هذا حقا هو الكرم والمجد في عسكر الحسين إلى الرمق الأخير.
Page inconnue