Abou des Martyrs Hussein Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Genres
وتحب المرأة أن تستحيي وتتوارى من المسبة في هواها، ثم يغلبها هواها فإذا هي ألقت حياءها للريح، وصنعت ما تحجم عنه التي لم تنازع نفسها قط في هوى، ولم تشعر قط بوطأة الخجل والاستتار.
واندفاع المتهجمين على الشر في حرب كربلاء بغير داع من الحفيظة ولا ضرورة ملزمة تقضي بها شريعة القتال، لهو الاندفاع الذي يسبر لنا عمق الشعور بالإثم في نفوس أصحاب يزيد، وقد رأينا من قبل عمق الشعور بالحق في أصحاب الحسين، وما بنا من حاجة إلى البحث عن علة مثل هذه العلة لمن خلقوا مجرمين، وخلقت معهم ضراوة الحقد والإيذاء لهذا الميدان وغير هذا الميدان، كشمر بن ذي الجوشن، ومن جرى مجراه؛ فهؤلاء لا يصنعون غير صنيعهم الأثيم كلما وجدوا السبيل إليه.
على أنها - بعد كل هذا - حرب بين الكرم واللؤم، وبين الضمير والمعدة، وبين النور والظلام؛ فشأنها على أية حال أن تصبح مجالا من الطرفين لقصارى ما يبلغه الكرم، وقصارى ما يبلغه اللؤم، وقد بلغت في ذلك أقصى مدى الطرفين. •••
ومن المتعذر بعد وقوف هاتين القوتين موقف المراقبة والمناجزة، أن نتقصى أوائل القتال، ونتتبع ترتيب الحوادث واحدة بعد واحدة على حسب وقوعها؛ فإن الأقوال في سرد حوادث كربلاء لا تتفق على ترتيب واحد، سواء كان هذا الترتيب في رواية أنصار الحسين أو رواية أنصار يزيد.
إلا أن الترتيب الطبيعي يستبين للعقل من سبب الوقوف في ذلك المكان، وهو منع الحسين أن ينصرف إلى سبيله، وأن يرد الماء حتى يكرهه العطش إلى التسليم، وكان الموقف كما وصفه أبو العلاء بعد ذلك بأربعة قرون:
منع الفتى هينا فجر عظائما
وحمى نمير الماء فانبعث الدم
ولم يمتنع طريق الماء في بادئ الأمر دفعة واحدة؛ لأن حراس المورد من جماعة عمر بن سعد لم يكونوا على جزم بما يصنعون في مواجهة الحسين وصحبه، فلما اندفع بعض أصحاب الحسين إلى الماء بالقرب والأداوى، مانعهم القوم هنيهة، ثم أخلوا لهم سبيل النهر خوفا وحيرة، فشربوا وملأوا قربهم وأداواهم بما يغنيهم عن الاستقاء إلى حين.
والظاهر أن الشر كله كان في حضور شمر بن ذي الجوشن على تلك الساحة، متربصا كل التربص بمن يتوانى في حصار الحسين ومضايقته، فيعزله ويعرضه لسوء الجزاء، ثم يطمع من وراء ذلك أن يتولى قيادة الجيش وإمارة الري بعد عزل عمر بن سعد بن أبي وقاص؛ فبطل التردد شيئا فشيئا، وتعذر على الحسين وأصحابه بعد الهجمة الأولى أن يصلوا إلى الماء، ولبثوا أياما وليس في معسكرهم ذو حياة من رجل أو امرأة أو طفل أو حيوان إلا وهو يتلظى على قطرة ماء فلا ينالها، ومنهم الطفل العليل والشيخ المكدود والحيوان الأعجم، وصياح هؤلاء الظماء من حرقة الظمأ يتوالى على مسمع الحسين ليل نهار وهو لا يملك لهم غير الوصاية بالصبر وحسن المواساة.
وفي ذلك المأزق الفاجع، نضحت طبائع اللؤم في معسكر ابن زياد بشر ما تنضح به طبيعة لئيمة في البنية الآدمية؛ فاقترفوا من خسة الأذى ما تنزه عنه الوحوش الضاريات، وجعلوا يتلهون ويتفكهون بما تقشعر منه الجلود وتندى له الوجوه، ونكاد نمسك عن تسطيره أسفا وامتعاضا لولا أن القليل منه جزء لا ينفصل من هذه الفاجعة، وبيان لما يلي من وقعها في النفوس وتسلسل تراتها إلى أمد بعيد.
Page inconnue