فتصاعد الدم إلى وجهها بغتة وتسارع خفقان قلبها وقالت: «وما هو هذا الأمر؟»
قالت: «لا بأس عليك يا سيدتي. لا تخافي؛ فإني لا أدخر وسعا في كل ما يرضيك ويريحك. أما مولاي الدهقان فقد استقدمني في هذا الصباح وأسر إلي أمرا أوصاني ألا أبوح به إليك، ولكنني سأخالفه في ذلك. كوني في راحة، وسأقص عليك الخبر كما كان: بعث إلي في ساعة مبكرة، فلما وقفت أمامه مد يده إلى خاتم كان أمامه ودفعه إلي. وهو هذا (وأرتها خاتما من الذهب فيه حجر من الفيروز) وقال: «هذا هدية لك.» فتناولته وقبلت يده، ثم ذكر لي مقدار حبه لك، ورغبته في هنائك، وسعيه في سعادتك، وأنه استغرب تمنعك في مسألة ابن الكرماني إلى أن قال: «إنه نظرا لما يعلمه من دالتي عليك، عهد إلي أن أقنعك بقبوله؛ لأن الكرماني أمير، وهو صاحب الأمر والنهي و... و... إلخ».»
فقطعت جلنار كلامها قائلة: «وماذا قلت له؟»
قالت: «طاوعته في بادئ الأمر، وأبديت إعجابي برأيه - ولا يمكنني غير ذلك - حتى إذا آنس في الموافقة قلت له: ولكني لا أرى أن تعجل عليها في الذهاب إليه، فما لا يقضى اليوم إلا بالعنف والضغط قد يقضى غدا بالرضى والقبول، فأرى ألا تخاطب مولاتي الدهقانة في هذا الشأن إلا بعد بضعة أيام ريثما أكلمها وأقنعها. قلت له ذلك يا سيدتي لنرى ما يبدو من ضيفنا.» وضحكت تخفيفا لما في قلب جلنار، فابتسمت هذه والانقباض يغشى الابتسام، ولكنها استحسنت حيلة ريحانة. ثم قالت ريحانة: «وقد جاريت سيدي الدهقان في قوله حتى أجد سبيلا لخدمتك بقدر الإمكان، وإلا فإنه فاعل ما يريد، ولا يحتاج إلى أكثر من أن يأمر؛ فلو قال لك اذهبي الآن إلى الكرماني لا أظنك إلا ذاهبة.»
فقالت جلنار: «أذهب، ولكن.»
قالت: «تذهبين مكرهة، ولا يدفعك أدبك على مخالفة والدك، فضلا عن غضبه الذي ربما حمله على إجبارك بالقوة.»
فصمتت جلنار وظلت مطرقة، وأرادت أن تعود إلى السؤال عن الضحاك، ولكن الحياء منعها من تكرار السؤال في هذا الموضوع، ولم يفت ريحانة ذلك فوقفت وهي تقول: «هلم بنا إلى المائدة، ومتى تناولت الطعام ننظر ماذا يكون.»
فنهضت، وأخذت ريحانة في تبديل ثيابها وتطييبها وتصفيف شعرها وجلنار لا تنتبه، حتى أتتها بالمرآة وهي تقول: «انظري إلى هذا المحيا وقولي سبحان الخلاق.»
فحولت جلنار وجهها عن المرآة كأنها لا تريد أن ترى صورتها وقالت: «لا تخدعيني بهذا الإطراء يا ريحانة. لو كان في وجهي جمال لما كنت في هذا الشقاء.» وغصت بريقها.
فابتدرتها ريحانة قائلة: «لا تيأسي يا مولاتي. هدئي من روعك، وهلم بنا إلى تناول الطعام.» قالت ذلك وخرجتا معا، وجلنار تنظر نحو الرواق المؤدي إلى الحديقة لعلها تجد الضحاك عائدا، فسمعت ريحانة تقول لها: «إذا كلمك مولاي الدهقان في أمر الكرماني أو ابنه فلا تبدي تمنعا.»
Page inconnue