فنظر الدهقان إلى ابنته واكتفى بتلك النظرة تأييدا لقوله. وكانت هي في الحقيقة لم تقتنع. ولم يكن تمنعها لسبب سياسي أو طمع في سلطان، ولكنها كانت ذات قلب يحب ويبغض، فإذا سلمت قيادها إلى والدها لا تستطيع أن تسلم قلبها لابن الكرماني؛ لاشتغالها بحب رجل رأت أنه يستحق محبتها، وكانت قد شاهدته في مجلس والدها مرة، فأعقبت تلك النظرة ألف حسرة، ولكنها لم تكن تجرؤ على مخاطبة أبيها؛ لأنها لم تكن تعلم ما إذا كان عند الرجل مثلما عندها، فسكتت. فأشار والدها إلى الضحاك فخرج مهرولا، فلما خلا الدهقان بابنته قال لها: «سأرد رسول الكرماني في الغد بجواب الرضا، وتوكلي على الله.» فلم تجب، فلم يهمه سكوتها؛ لاعتقاده أنه سكوت الحياء.
وكانت هي في أثناء صمتها قد شغل ذهنها سماع أجراس عن بعد لهدوء الطبيعة في تلك الليلة المقمرة، ثم سمعت نباح الكلاب وهي لا تنبح إلا على طارق، فتشاغلت عن سؤال أبيها بالإصغاء إلى رنات الأجراس، فانتبه أبوها لذلك، فقال لها: «يظهر أن قافلة تسير ليلا في ضوء القمر.» ثم أخذت أصوات الأجراس تقترب، ونباح الكلاب يشتد، والدهقان وابنته صامتان، وكل منهما في شغل. وقد فرح الدهقان بقبول ابنته؛ لاعتقاده بما سيكون من أمر الكرماني وسلطانه، وما سينال من النفوذ والكسب على يده، ولعلمه أنه إذا لم يقبل طلبه طوعا، فسيضطر لقبوله كرها.
الفصل السادس
أبو مسلم الخراساني
ولم يمض قليل حتى سمع صوت الجمال وصهيل الخيل وضوضاء الناس، ثم جاء بعض الغلمان مهرولين وهم يقولون: «إن قافلة كبيرة وقفت بجانب القرية تطلب النزول بدار الضيوف.»
فقال: «وهل هم كثيرون؟ ومن أين هم قادمون؟»
قالوا: «إنهم يزيدون على مائة نفس، ومعهم الجمال والخيل.»
فقال: «لا أظنهم يريدون الإقامة جميعا عندنا، ومع ذلك فادعوهم للنزول.»
فعاد الغلمان، وبعد قليل جاء أحدهم وهو يقول: «إن رجال القافلة يطلبون مقابلة الدهقان.»
قال: «فليدخلوا.»
Page inconnue