Abou Hanifa et les valeurs humaines dans son école
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Genres
وليس معنى هذا وذاك، أنه لم يأخذ في الفقه إلا عن حماد بخاصة، أو عن فقهاء أهل الرأي بعامة، بل إنه من الثابت تاريخيا بلا ريب، أنه قد اتصل كثيرا بفقهاء ذوي نزعات مختلفة، وربما أفاد من غير قليل منهم في تكوين آرائه وبناء مذهبه.
فقد أخذ - مثلا - عن عطاء بن أبي رباح فقيه مكة، وعكرمة مولى عبد الله بن عباس ووارث علمه، ونافع مولى ابن عمر وحامل علمه، كما التقى بالمبرزين في الفقه والعلم من أئمة الشيعة ومن هؤلاء الإمام زيد بن علي الذي قتل شهيدا في عام مائة واثنين وعشرين، والذي ينسب إليه كتاب «المجموع» في الفقه. ومنهم أيضا الإمام جعفر الصادق الذي توفي قبل أبي حنيفة بعامين اثنين، وكان على جانب عظيم من الفقه والبصر به؛ حتى ليقول صاحبنا نفسه: والله ما رأيت أفقه من جعفر الصادق! ومن أجل ذلك نرى الخطيب البغدادي يقول في تاريخه.
14
محدثا عن الربيع بن يونس: دخل أبو حنيفة يوما على المنصور (يريد أبا جعفر الخليفة العباسي) وعنده عيسى بن موسى، فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم. فقال له: يا نعمان! عمن أخذت العلم؟ قال: عن أصحاب عمر عن عمر، وعن أصحاب علي عن علي، وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله (يريد عبد الله بن عباس) وما كان في وقت ابن عباس على وجه الأرض أعلم منه، قال: استوثقت لنفسك.
وفي رواية أخرى أنه أجاب عن سؤال المنصور: عمن أخذ الفقه؟ بقوله: عن حماد (بن أبي سليمان)، عن إبراهيم (النخعي)، عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس؛ وعندئذ قال له الخليفة: بخ بخ! استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة، الطيبين الطاهرين المباركين، صلوات الله عليهم.
15
جلوسه للتعليم
هكذا اتجه أبو حنيفة للفقه، وهكذا جد في طلبه عن شيوخه المبرزين، فمتى رأى نفسه أهلا لأن يكون أستاذا له حلقة خاصة به؟ ومتى كان ذلك؟ ذكرنا من قبل ونحن نتكلم عن اتجاهه للفقه، أنه اتصل بحماد بن أبي سليمان يأخذ عنه الفقه، وأنه ظل مصاحبا له حتى مات. والآن نتكلم عن كيف جلس للتعليم بعد وفاة شيخه، وكيف خلفه حقا بعد أن لحق بربه.
يقول أبو حنيفة محدثا عن نفسه:
16 «فصحبته عشر سنين، ثم نازعتني نفسي الطلب للرياسة، فأردت أن أعتزله، وأجلس في حلقة لنفسي، فخرجت يوما بالعشي وعزمي أن أفعل، فلما دخلت المسجد فرأيته، لم تطب نفسي أن أعتزله، فجئت وجلست معه، فجاءه في تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة وترك مالا وليس له وارث غيره، فأمرني أجلس مكانه.
Page inconnue