تأليف
عباس محمود العقاد
علامات الخلود
ثلاث علامات من اجتمعن له كان من عظماء الرجال، وكان له حق في الخلود:
فرض الإعجاب من محبيه ومريديه، وفرط الحقد من حاسديه والمنكرين عليه، وجو من الأسرار والألغاز يحيط به كأنه من خوارق الخلق الذين يحار فيهم الواصفون ويستكثرون قدرتهم على الأدمية، فيردون تلك القدرة تارة إلى الإعجاز الإلهي، وتارة إلى السحر والكهانة، وتارة إلى فلتات الطبيعة إن كانوا لا يؤمنون بما وراءها.
وهذه العلامات الثلاث مجتمعات لأبي العلاء على نحو نادر في تاريخ الثقافة العربية، لا يشركه فيه إلا قليل من الحكماء والشعراء؛ فهو في ضمان الخلود منذ أحبه من أحب، وكرهه من كره، وتحدث عنه من تحدث كأنه بعض الخوارق والأعاجيب. •••
بلغ من منزلته بين مريديه أن وقف على قبره نيف وثمانون شاعرا يرثونه بعيد وفاته، فكان بلاغ قولهم مطلع قصيدة لأحدهم - أبي الفتح الحسن بن عبد الله بن حصينة - حيث يقول:
العلم بعد أبي العلاء مضيع
والأرض خالية الجوانب بلقع
وهو مثل من أمثلة الإعجاب الذي اتفق عليه أولئك الشعراء، وكانوا فيه ترجمانا لمئات، أو ألوف من المعجبين، لم ينظموا الرثاء ولم يقفوا على ثراه.
Page inconnue