56

هبطت السكينة على نفس أبي العلاء.

وقيل له: إنك في أمان، ليس لأحد عليك من سلطان، وإنك ممن قيل فيهم

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، خرجت من العالم الفاني فلا تمتد إليك يد ولا ينالك أحد من الناس بعدوان. فقل ما بدا لك من رأي، ولا تطل همسك إن نطقت بالحق ولا ترفع رأسك إن نطقت بالمحال. أنت اليوم غيرك بالأمس: أنت اليوم من الخالدين!

وإنما قيل له ذلك لأنه صارح بعض الجرمان وهو في بلادهم بمذهبه في اختلاف الأجناس وتفاوت الأقوام، فشجبوه وهموا أن يبطشوا به على تخوم بلادهم، لولا أن ردتهم عنه هذه الحصانة التي لا حصانة مثلها للمجالس النيابية ولا للهيئات الوزارية، وهي حصانة الخلود.

لهذا كان مسلكه مع جماعة المشيعين أو الشيوعيين حين نزل بأرضهم غير مسلكه المعهود من التقية والمداراة والصمت والفرار، فقال ما أراد أن يقول، ولم يعبأ منهم بزمجرة ولا صخب ولا وعيد.

وقف رفيق من رفقائهم يخطب في حفل جمعوه للترحيب بأبي العلاء، أو للشيوعي العربي القديم كما أسموه، فقال بعد إسهاب وترديد: هذا أيها الرفاق رجل منا قد سبقنا بكل رأي من آرائنا وكل دعوة من دعواتنا، فنحن ننكر التفاوت في قسمة الأرزاق وهو ينكره في كل صورة من صوره، وكل منحى من مناحيه، فيقول عن التفاوت بين العاملين وأصحاب الأموال:

لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته

فقير معرى أو أمير مدوج

وقد يرزق المجدود أقوات أمة

ويحرم قوتا واحد وهو أحوج

Page inconnue