وممن قرأ على أبي العلاء، وهو ببغداد: الأديب المشهور بابن فورجة البروجردي؛ ذكر ذلك السيوطي. وهو صاحب «الفتح على أبي الفتح»، و«التجني على ابن جني»، يرد فيهما على ابن جني في شرح شعر المتنبي. واختلفوا في اسمه، فقيل: محمد بن حمد، وسماه مجد الدين الشيرازي في كتابه «البلغة في أئمة اللغة»: حمد بن محمد، ومن شعره:
أيها القاتلي بعينيه رفقا
إنما يستحق ذا من قلاكا
أكثر اللائمون فيك عتابي
أنا واللائمون فيك فداكا
إن لي غيرة عليك من اسمي
إنه دائما يقبل فاكا
قال السيوطي: هذا الشعر يؤيد أن اسمه حمد. واختلفوا أيضا في اسم جده فورجة؛ فقال السيوطي: بضم الفاء وسكون الواو وتشديد الراء المهملة وفتح الجيم. وقال ابن شاكر في «فوات الوفيات»: «فوزجة» بالفاء المضمومة، وبعد الواو والزاي جيم مشددة. وفي النسخ خلط في ميلاده ووفاته.
وأشهر تلاميذ أبي العلاء: أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، صاحب المصنفات النفيسة، كشرح الحماسة والمعلقات، وتهذيب ألفاظ ابن السكيت، وغيرها. ولد سنة 421، وتوفي فجأة ببغداد سنة 502، ودخل مصر في عنفوان شبابه، ثم استوطن بغداد، ودرس الأدب بالنظامية، وكان إماما في اللغة ثقة فيها، إلا أنه كان مستهترا بالشراب. وكان سبب رحلته إلى أبي العلاء أنه تحصل على نسخة من كتاب «التهذيب» للأزهري في اللغة في عدة مجلدات، وأراد تحقيق ما فيها، وأخذها عن رجل عالم باللغة، فدلوه على أبي العلاء، فجعل الكتب في مخلاة، وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما يستأجر به مركوبا، فنفذ العرق من ظهره إليها، فأثر فيها. وكانت ببعض الوقوف ببغداد، إذا رآها من لا يعرف صورة الحال ظن أنها غريقة، وليس بها سوى عرق التبريزي.
وقال العلامة عبد الهادي نجا الأبياري من شيوخ هذا العصر المتوفى سنة 1305، في كتابه «القصر المبني على حواشي المغني» عند كلامه على أبي العلاء المعري: «ومما يدل على فضله، أن الخطيب أبا زكريا يحيي التبريزي قرأ الأدب عليه ورحل إليه من تبريز، وسيدي عبد القادر الجيلاني قرأ الأدب على التبريزي هذا، فالشيخ شيخ شيخ الجيلاني، والله أعلم».
Page inconnue