المنظر
يزاح الستار عن دار في قصر السلطان الصالح أيوب على النيل في الجانب القبلي من مدينة المنصورة، وهو بناء عربي الطراز والتقسيم: إيوان ورحبة، أما الإيوان فواقع في مؤخر المرزح، والرحبة في مقدمته ويعلو عنها شبرا تقريبا، والإيوان نصف مثمن به ثلاثة أضلاع كاملة في مواجهة المشاهد، وهذه ذات شبابيك، أي: نوافذ فيها قضبان متعارضة، عليها من الداخل سجف «ذات فلقتين» من الديباج الثقيل إذ الوقت شتاء «10 ديسمبر
1
سنة 1249»، أما الضلعان الجانبيان فكل منهما نصف ضلع المثمن أو يزيد قليلا، وفي كل منهما باب قصير «أربع أذرع» مكفت بنقوش عربية من المعدن ... واحد إلى اليمين بالنسبة إلى المتفرج وهو مؤد إلى غرف السلطان وحرمه، وآخر مثله إلى اليسار هو مقطع كبار الدولة، أي: الباب الخاص الذي يحضر منه وينصرف كبار أمناء السلطان، وأمراء حرسه الخاص المعروفون برجال الحلقة، ومن هم في كرامة المنزلة مثلهم ... ويفصل الإيوان عن الرحبة عمد من الرخام، تعلوها بوائك موشحة بنقوش عربية ما بين البواكير «الأقواس». والبوائك الثلاث: اثنتان منهما صغيرتان هما الجانبيتان، وواحدة كبيرة «وتعلو نصف ذراع عما بجوارها» بين هاتين.
والمكان جميعه مفروش بأنفس البسط الطبرستانية «الفارسية»؛ إذ الوقت شتاء كما نبهنا، ونرى على أبوابه جميعا سجفا غير مسدلة بل مزاحة إلى الجانبين ما عدا باب حرم السلطان، وفي الإيوان مقاعد ووسائد فاخرة وضعت دوين النوافذ يعلو عليها في الصدر مقعد كبير يكون للسلطان عادة عند اجتماعه برجال ديوانه، ولكن الدار قد اتخذت تلك اليلة للنوبة، أي: حراسة السلطان وخدمته المستعجلة؛ لأنه مريض يئس الأطباء من شفائه؛ ولأن الفرنجة الفرنسيس - وكانت معهم فرقة إنجليزية - تحت إمرة
Longsword
وهو لورد
Salisbury
تحت إمرة الملك لويس التاسع المعروف في كتب التاريخ العربية باسم ري ديفرانس - أوروا دفرنس تعريب
Roi de France - قد عاودوا ضرب مصر لامتلاكها توطئة لاسترداد القدس، وإبادة علم الإسلام من الدنيا؛ «إذ كان هذا مأمول أوروبا في القرون الوسطى ومناط مجدهم وفخرهم»، وقد نزلوا البلاد واحتلوا دمياط «التي أخرجوا منها مدحورين أذلة قبل ذلك بثلاثين عاما على سيوف السلطان الكامل أبي السلطان الحالي، وباني مدينة المنصورة تخليدا ليوم نصره»، ويوشك جيشهم أن يزحف على المنصورة في طريقه إلى بابليون «مصر القديمة»، فالأمر يستوجب قرب أعيان الدولة مناوبة بجوار السلطان في كل وقت.
Page inconnue