تعرض لمسألة كنساس فقال في قوة اليقين وفي جلال الحق: «ستكون كنساس حرة.» وكانت الولاية لم تستقر بعد على وضع والصراع فيها بين أنصار الرق وأنصار الحرية على أشده، وذكر السامعين أن الخروج على اتفاق مسوري والسماح بانتشار الرق وراء الحد الفاصل مفض حتما إلى جعل الرق مسألة قومية عامة؛ ولذلك فإنه للفوز أبدا أو الهزيمة أبدا، فإنه ليشعر بتزايد قوة أنصار الرق، بينما يتراخى الداعون إلى مقاومة تياره، وكان يبدو منه في خطابه ما يبدو من رجل مقبل على موقف حاسم في تاريخ حياته، ففي نبراته رنين الإخلاص، وفي مقاطعه وابتداءاته لهجة اليقين وبينات الحرص الشديد على أن يتدبر المنصتون كلامه، وعلى وجهه علامات الاهتمام حينا، وأمارات القلق حينا، ومخايل الحذر والخوف واللهفة أحيانا، وكذلك العظيم إذا تكلم كان كلامه من وجدانه ومن لبه، وكانت حركاته خفقات جوانحه ووثبات قلبه.
ولقد تنبأ ذلك الرجل العظيم فذكر للناس أن مسألة الرق لن تحل حتى تنتهي إلى أزمة تجتازها الأمة بفضل صلابتها وقوة إرادتها، فإن تلك الإرادة متى أوقظت اجتاحت الصعاب، وكأنه كان يتطلع من وراء حجب الغيب على ما ينتظر البلاد من حرب أهلية ضروس، وامتزجت في قلوب السامعين الحماسة لما يقول الخطيب بالوجل الذي يلقيه في روعهم بما ينذر، فلقد اشتدت في الجنوب الحركة التي ترمي إلى الانسحاب من الاتحاد حتى باتت خطرا قريبا يحسب له حسابه. •••
وحدث أن كان مولد الحزب الجديد في نفس السنة التي كانت تختار فيها البلاد رئيسا جديدا للولايات؛ وهي سنة 1856، فكان النشاط السياسي بذلك مضاعفا، وأحس الناس جميعا أن مسألة الرق قد أصبحت القطب الذي يدور عليه هذا النشاط السياسي، فألقوا بالهم إليها على نحو لم تسلف بمثله فترة في تاريخ البلاد.
وكان مرشح الجمهوريين هو كابتن فريمونت، وكان أول مرشح للحزب الوليد، كما كانت الانتخابات في تلك السنة أول انتخابات يخوض هذا الحزب معركتها، ورشح الحزب لمنصب نائب الرئيس ويليام ديتون من ولاية جرزي الجديدة، ولكن أهل سبرنجفيلد وأهل إلينوى أرادوا أن يكون لنكولن من يرشح لهذا المنصب.
ورشح الديمقراطيون للرياسة بوكانون وهو من ولاية بنسلفانيا، وقد حاول دوجلاس بكل ما في وسعه أن يظفر بهذا الترشيح، ولكن بوكانون تغلب عليه وظفر بتأييد أغلبية أنصار الحزب.
وظهر في الميدان حزب ثالث باسم حزب أمريكا، وهو في الواقع بقية الهوجز، وقد رشحوا للرياسة فلمور، وكان نائبا للرئيس تيلور سنة 1848.
واشتدت المعركة بين الأحزاب، وكان مدار الدعاية اليوم قضية الرق وموقف كل حزب منها وما يعتزم أن يفعل إذا قدر له الفوز، وهكذا يشمل الاتحاد إحساس عام أن هذه القضية أصبحت المحور الذي تدور عليه سياسة البلاد.
وأعلن الجمهوريون أثناء المعركة مبادئهم وعملوا على إذاعتها في طول البلاد وعرضها، ومؤداها أنه لا الكونجرس ولا أي مجلس غيره في أية مقاطعة ولا أي فرد من الأفراد ولا جماعة من الجماعات؛ لا أحد من هؤلاء جميعا يملك أن يجعل امتداد الرق أمرا مشروعا في أية بقعة من بقاع الولايات المتحدة، وذهب الجمهوريون إلى أكثر من ذلك فقالوا إن الدستور قد جعل للكونجرس سلطة الحكم في جميع الولايات، وعلى ذلك فمن حق الكونجرس ومن واجبه عند تنفيذ هذه السلطة أن يقضي في الولايات على «التوأمين الباقيين من عهد الهمجية؛ وهما تعدد الزوجات والرق.»
أما الديمقراطيون فلم يعلنوا آراءهم واضحة في المشكلة كلها، وإنما أعلنوها واضحة في مشكلة كنساس نبراسكا، فقالوا كما قال دوجلاس إن لأهل الولايتين أن يقرروا ما إذا كانوا يأخذون بالرق أو يرفضونه، وترى من ذلك أن قرار كل من الحزبين يناقض الآخر، ومن هنا كانت المعركة بين الرق والحرية.
وقد اختير لنكولن في ولايته فيمن اختيروا من هيئة انتخاب الرئيس، وراح يبذل أقصى جهده في الدعوة لمرشح الجمهوريين أينما حل، وتكلم كثيرا وندد بالرق كثيرا، بيد أنه كان لا يغفل عن تأكيد رغبة حزبه في الحرص على كيان الاتحاد.
Page inconnue