ولكن رجال حزبه رشحوا رجلا غيره فاختير ذلك الرجل، وكان على أبراهام أن ينتظر عامين، وانتظر على مضض ثم ظن بعد ذلك أنه فائز بالترشيح، ولكن قدم عليه غيره مرة ثانية، وحق عليه أن يعود إلى انتظاره، وقد آلمه وكدره أن يأخذ الطريق عليه هكذا رجلان من حزبه.
وآلمه فوق ذلك ألما شديدا فشل هنري كليي في انتخابات سنة 1844؛ فقد وقع هذا الفشل حيث يرجى الفوز، فكان سوء وقعه في نفوس الهوج مضاعفا، وكان من أكثرهم تأسفا وتألما لذلك لنكولن؛ إذ كان شديد الإعجاب بهنري عظيم الولاء له، كما أنه لم يأل جهدا في الدعوة له ضد منافسه الديمقراطي.
زواج
بقى أبراهام عاما ونصف عام وموقفه من ماري عين موقفه عقب ذلك الفرار الشائن وعاد إليه من هموم نفسه، وقد تزوج صاحبه، ما شغلته عنه قصة ذلك الصاحب زمنا. وبات ضائق النفس بوساوسه، وزاده تبرما بحاله وإنكارا لشأنه ما كان يسمعه من صاحبه عن سعادته الجديدة بين يدي زوجه؛ لذلك لم يكن عجبا أن يلتمس السكينة ثانية عند سارا، تلك الفتاة الناهد التي حاول من قبل أن يصل حبالها بحباله فلم يستطع.
بيد أنه كان يحس بينه وبين نفسه أن يتجه إلى ماري؛ فهو لا يستطيع أن يبتعد بخياله عنها، وقد رأينا ما ذكره في كتاب من كتبه إلى صاحبه، وكيف يقف بينه وبين سعادته تذكره أنه هو الذي أشقاها.
وكان لنكولن يمني نفسه أنه على الرغم مما حدث يتأتى لهما أن يتصلا إن هما أرادا، وكانت هي من جانبها تحس أن ما كان منه من فرار وهجران لم يصل، على شناعته، إلى حد القطيعة.
ودبر صحفي من صحابتهما وزوجه أن يدعواهما إلى مأدبة على غير علم كل منهما بدعوة الآخر إليها، وتم ذلك فالتقيا وسلما وقد ربكتهما المفاجأة، ثم تضاحكوا جميعا بعد أن ذهبت الدهشة، وكان هذا اللقاء الخطوة الأولى نحو التئام الصدع واجتماع الشمل؛ إذ أصبح أبراهام يرى حقا عليه أن يصلح ما أفسد وأن يضع حدا لما هو فيه من شقاء وضيق.
وكادت صلته بماري تعود سيرتها الأولى، فكانا يلتقيان ويتساقطان أعذب الأحاديث، وكانت تجمعهما أحيانا حلقة من الصحاب تدير ماري الحديث بينهم فيها بما أوتيت من ذكاء ولباقة، ويضحك أبراهام سامعيه بنكاته وقصصه وأمثلته وما منهم إلا من يستزيده منها.
وحدث أثناء ذلك أمر عجيب في ذاته على قدر غير قليل من الأهمية في نتيجته كتاب لا يصرف وجهه عنه، وهو يجلس على الأرض فيلاعب ابنه كأنه طفل مثله، وهو لا يتورع أن يفعل ما يفعله جار قريب منهما إسكاف فيحلب البقرة مثله في الحديقة، ويحمل اللبن في وعائه بين يديه ويهرول به إلى الدار على أعين السابلة والجيران، كأنما يحن إلى الكوخ وإلى حياة الأحراج، وامرأته تصرخ في وجهه تذكره أنه لا يليق به ما يفعل؛ فهو اليوم محام مشهور المقام وسياسي مرموق المكانة، فما يزيد على أن ينظر إليها نظرة أشبه بتعجب الأبله ثم ينطلق صامتا.
وأعظم ما يغيظ ماري منه حديثه بين الضيوف عن الغابة وعن حياته الأولى وما لاقى من شقاء العيش في طفولته وشرح شبابه، وهو كلما اتجه هذا الاتجاه تدفق حتى ما يظن أحد أنه سيسكت.
Page inconnue