159

Abraham Lincoln

أبراهام لنكولن

Genres

وظلت العاصمة منذ هذا اليوم التاسع من أبريل ومظاهر الفرح تملأ جوانبها وتشيع في البلاد. وفي اليوم الرابع عشر كان على مجلس الوزراء أن ينعقد ظهرا، وكان جرانت ممن سوف يشهدون الاجتماع، وفي صباح هذا اليوم ظل الرئيس معتكفا وقد اعتذر عن لقاء من طلبوا لقاءه، وجلس يتحدث إلى ابنه الكبير روبرت وقد عاد من الميدان صحبة جرانت، وظل أبوه يخبر مدى استعداده بأسئلة ألقاها عليه، وهو لم يجلس إليه منذ زمن طويل؛ لتغيبه في الجامعة، ثم لذهابه من الجامعة إلى الميدان.

ولاحظ بعض المقربين إلى الرئيس أن التفاؤل في المستقبل أخذ يملأ جوانب نفسه، وأنه كان منشرح الصدر ضحوكا، يقص عليهم أنه رأى حلما لا يراه إلا قبيل العظيم السار من الأحداث، ولقد رآه قبيل جتسبرج وفكسبرج وأنتيتام، وهو حلم عجيب، قوامه ركوب الماء في قارب غريب لا يوصف ينطلق بالرئيس في سرعة شديدة إلى شاطئ مظلم مجهول، ولكن الرئيس يصحو قبل أن يبلغ الشاطئ. ألا ليته يصحو قبل أن يصل به القارب مساء هذا اليوم إلى ذلك الشاطئ المخيف، فلقد أعد المجرمون الآثمون عدتهم وبيتوا كيدهم.

واجتمع مجلس الوزراء ليرى ماذا تفعل الحكومة لإصلاح ما أفسدته الحرب، وعارض الرئيس أشد المعارضة القائلين بالانتقام من الجنوب، وصاح بهم: «كفانا ما ضحينا من الأنفس، يجب أن نعمل على شفاء الجراح كما يجب أن نطفئ في قلوبنا السخائم إذا أردنا أن نقيم الوحدة والوفاق.» ألا ليت المؤتمرين به سمعوه إذ يقول ذلك! ألا ليتهم سمعوه!

يجب أن تسجدوا لله.

وركب الرئيس وزوجته في نزهة عصر ذلك اليوم، وكانت ماري فرحة بانتهاء الحرب، تحدث نفسها بما تقيم غدا من ولائم، وكانت تقول لزوجها إنها تعتزم بعد انتهاء مدة هذه الرياسة الثانية أن تزور أوروبا فتقضي هناك سنة، ويضحك لنكولن قائلا: «أما أنا فسأزور كليفورنيا الجديدة والأصقاغ الغربية.»

ولما عادا لمح أبراهام وهو ينزل من العربة قوما خارجين من البيت الأبيض، فعرف بعضهم وهم من أصحابه القدماء من أهل إلينوي، فناداهم من بعد وأشار إليهم بيده كما كان يفعل في سبرنجفيلد قائلا: «هالو ... ارجعوا إلي أيها الرفاق ... مرحبا يا أصحابي ...» وفتح لهم ذراعيه وبسط كفه، وإنهم ليعجبون أشد العجب أنه لا يزال على عهدهم به، ومشى الرئيس معهم إلى إحدى الحجرات وهو يضحك بينهم ويمزح كما كان يفعل بالأمس، وسألهم عن أشخاص ممن يعرف، ثم جلس بينهم يقص عليهم قصصا مضحكة ويضحك ضحكات مدوية، وقد رفع بينه وبينهم الكلفة كأنما يجلسون أمام دكان من دكاكين سبرنجفيلد، وظل الرئيس يتلو نكاته ويضحك ملء نفسه، ويضحك سامعوه، وكلما جاء الخادم يدعوه إلى الطعام صرفه بإشارة من يده وأخذ في حديثه، إلى أن جاءه ما يشبه الأمر من ماري، فنهض ومد إليهم يده مودعا.

وفي المساء ذهب الرئيس وزوجته ليشهدا رواية تمثيلية في المسرح، وكانت الصحف قد نشرت اعتزامه الحضور ومعه القائد جرانت، وتخلف القائد لأنه أراد السفر، فذهب مع الرئيس وزوجته ضابط وخطيبته وجلسا معهما في المقصورة الخاصة.

وما أطل الرئيس من مقصورته على الجمهور حتى دوت جنبات القاعة بالتصفيق والهتاف، وأحنى الرئيس رأسه للجميع وجلس يشهد التمثيل.

وانقضت ساعتان، وتسلل إلى المقصورة في منتصف الساعة الحادية عشرة الممثل ولكس بوث رأس المؤامرة ليغتال الرئيس، وكان على اتصال بنجار المسرح، وكان هذا النجار عضوا في المؤامرة، فصنع له أثناء النهار ثقبا في باب المقصورة لينظر منه، وأعد له رتاجا خشبيا لباب الردهة المؤدية إلى المقصورة من الداخل.

وحمل الحارس الواقف بباب الردهة الخارجي بطاقة من المجرم إلى الرئيس، تظاهر بها أنه رسول يحمل إليه نبأ، وسمح له الرئيس بالدخول، فأغلق من الداخل باب الردهة بذلك الرتاج الخشبي، ونظر من الثقب، ثم فتح الباب وأطلق رصاصة إلى رأس أبراهام، وطعن الضابط بخنجره حين هم أن يمسكه، وقفز إلى المسرح الذي طالما مثل أدوارا عليه، ولكن ثوبه علق بخشبة العلم، فهوى وانكسرت ساقه، ووثب على الرغم من ذلك وخرج يعدو، وكان شركاؤه قد أعدوا له حصانا فهرب على ظهره عدوا.

Page inconnue