150

Abraham Lincoln

أبراهام لنكولن

Genres

أعلن الرئيس ما يشبه الأحكام العرفية، فحد من حرية الصحافة ومن حرية القول، وأنذر من يعمل على عرقلة قضية الاتحاد بتقديمه إلى المحاكم العسكرية لتنظر في أمره، ولم يعبأ الرئيس بالانتقاد الشديد يوجه إليه من كل جانب، فلقد كان مستندا إلى أحكام الدستور الذي يخول له أن يتخذ عند الخطر ما تتطلبه مصالح البلاد من أحكام.

وحل الورق محل الذهب والفضة في المعاملة؛ إذ كانت الحكومة في حاجة إلى المال لتنفق منه على هذه الحرب الضروس، ولقد التجأت من أجلها إلى القرض.

وعمت الضائقة حتى شملت الناس جميعا، وهكذا ظهر للناس أن العام الجديد أشد هولا مما سبقه.

ولكن هذه السياسة العنيفة لم تأت بالغرض منها، فلقد وجد أعداء الحرب وأعداء القضية فيها فرصة لنشر آرائهم، وسرعان ما تألفت في نواح كثيرة من البلاد جمعيات سرية تعمل على مقاومة الرئيس وحكومته بكل ما يمكن من الوسائل.

وجهر فريق من ذوي الرأي والمكانة بمقاومتهم هذه السياسة، ومن هؤلاء ولندنجهام، وهو نائب عن أوهايو في الكونجرس، ولقد أخذ هذا الرجل يعمل في نشاط وقوة على معارضة كل مشروع في المجلس يراد به نصرة قضية الحرب، وفي خارج المجلس راح يسخر ويطلق لسانه في الرئيس بكل فاحش من القول؛ فتارة يسميه الملك لنكولن، وتارة يضحك من «ذلك الرجل الذي يريد أن يخلق الحب بالقوة، وأن ينمي شعور الإخاء بالحرب»، وتطرف ذات مرة فهتف بسقوطه في مجتمع احتشد فيه عدد ممن أعجبوا به من الديمقراطيين.

وكان بيرنسيد يقود الجيش في الجهات التي تقع فيها أوهايو، مدينة ذلك النائب العائب، وأعلن القائد هناك أن كل شخص يعرقل قضية الحرب وقضية الاتحاد، فجزاؤه أن يقدم إلى محكمة عسكرية لينال عقابه. ورد ولندنجهام على هذا بخطبة حماسية احتشد الناس في تلك الولاية لسماعها، ودعا الناس إلى رفض هذا القرار وعصيانه، ولم يسع القائد إلا أن يقبض عليه ويسوقه إلى المحكمة العسكرية، فقضت بحبسه في أحد الحصون هناك.

وارتفعت الأصوات بالاحتجاج على هذا الفعل الذي يتجلى فيه - كما زعموا - خفق الحرية، فغير لنكولن حكم الحبس بالنفي إلى خارج مناطق النفوذ الشمالي، وأرسل ذلك النائب المتمرد إلى الولايات الجنوبية في حراسة نفر من الجند.

تكاتفت السحب واكفهر الجو، ولم يعد يرى الناس بصيصا من نور الأمل، فيئسوا من النصر، وتحرجت الأمور حتى ما يعرف لنكولن نفسه ماذا يفعل! ألا هل من قائد يكسب معركة واحدة فيعيد الرجاء إلى النفوس والأمن إلى الخواطر، والعزم إلى القلوب؟

إن هزيمة الشماليين في شانزلو رزفيل، كانت أقسى ما لاقوا من محن، حتى لقد عد مايو - وهو الشهر الذي وقعت فيه الهزيمة - أشد الأيام هولا في تاريخ هذه الحرب الأهلية الكبرى. ولقد كانت خسائر الشماليين في تلك المعركة بعد ما ذاقوا من الهزائم قبل مما يثبط الهمم ويحل العزائم، بينما خرج منها الجنوبيون ولم يخسروا كثيرا، اللهم إلا ما لحقهم من خسارة فادحة بموت قائدهم الكبير جاكسون، الذي أودته رصاصة طائشة في ظلمة الليل من يد أحد جنوده.

ها هو ذا الرئيس يفكر ويدور بعينيه يتلمس القائد الذي يرجى على يديه النصر. ألا من له بهذا القائد؟ من له بهذا القائد؟ ولكن أين جرانت؟ إنه ذلك الرجل! إن قلب الرئيس ليلتفت إليه كأنما يلتفت عن إلهام.

Page inconnue