إلى روحك الطاهرة في رياض الخلد أيها العظيم الراحل، أهدي كتابي هذا الذي كثيرا ما سألتني عنه، لقد كنت أول من حبب إلي «لنكولن»، وذلك بمحاضرة لك عنه وعيتها وأكبرتها، فلما تناولت القلم لأكتب كان لنكولن أول شخصية درستها، وكان شخصك الحبيب في خاطري أبدا، وقد غدوت في وطنك أحد أعلامه، ولن أنسى ما حييت ما كان من عذوبة روحك وجمال تواضعك يوم كاشفتك بإهداء كتابي إليك، ولم يكن يدور بخلدي أن ينشر الكتاب وقد طواك الموت وأنت نابغة جيل ورجاء أمة؛ ولكنك خالد في قومك خلود لنكولن في قومه، ولن تزال حيا في أمة وهبتها حياتك فأحبتك وأكبرتك.
والسلام عليك من: الوفي الذاكر إلى يوم يلقاك
محمود الخفيف
ابن الكوخ
في جانب من جوانب ولاية كنطكي، هنالك في تلك البطاح المترامية من العالم الجديد، حيث تنمو الغابات والأحراج وألفاف النبات الوحشي، كان يقوم سنة 1809 كوخ من تلك الأكواخ المتخذة من الكتل الخشبية الشوهاء، تلك الأكواخ المتواضعة التي تراها العين متناثرة هنا وهناك على مقربة من الغابات، ولا ترى غيرها في تلك الأصقاع البرية مساكن للناس.
وكان لا يختلف ذلك الكوخ عما يقرب منه أو يبعد عنه من الأكواخ إلا في سعته أو ضيقه، فقد كانت تقام كلها على نمط واحد من أنماط البناء، كما كان يعيش ساكنوها في الغالب على صورة واحدة من صور المعيشة.
كان لا يزيد على أربعة أمتار في مثلها، ليس فيه من متاع إلا بعض القدر والآنية لحفظ الطعام والماء، وبعض الوسائد المتخذة من جلد الحيوان والمحشوة بورق الشجر أو بريش الطير، وبعض الكراسي والمناضد الخشبية الساذجة التي صنعها بيده توماس لنكولن صاحب هذا الكوخ، وقد اقتطع أخشابها كما اقتطع أخشاب الكوخ من الغابة القريبة بفأسه التي ترى معلقة أثناء الليل على جدار كوخه إلى جوار بندقية صيده.
في هذا الكوخ فتح أبراهام لنكولن عينيه على نور الحياة في اليوم الثاني عشر من شهر فبراير عام 1809؛ وفي هذه البيئة ولد الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية.
وضع الوليد كأنه فرخ من أفراخ الطير على فراش من القش المغطى بالجلد إلى جوار أمه، وكانت تألم الأم أشد الألم من الرياح تنفذ إليها وإلى وليدها صافرة خلال الثقوب الطويلة بين كتل الخشب كلما هبت العاصفة من ناحية الغابة.
واضطر الوالد أن يبقى بالكوخ أياما حتى تستطيع زوجه أن تستأنف عملها بالمنزل؛ إذ لم يكن هناك غيره إلى جوار امرأته سوى ابنتهما التي تكبر الوليد بعام واحد، وأخذ الرجل يحلب الأبقار بنفسه ويوقد النار في الموقد ويعد الطعام، وكان لا يبتعد عن الكوخ إلا ساعة أو بعض ساعة عله يرجع بقليل من الصيد يقدمه طعاما إلى زوجه الواهنة.
Page inconnue