لكن عندما رأيتها، كان من الصعب ألا أخدع نفسي. فقد كانت ترقد داخل سلتها ومعها هريرتان نابضتان بالحياة بدتا مثل فأرين أبيضين أملسين، وكانتا ترضعان من ثدييها برقة. حملقت نحوي بعينيها الزرقاوين الخاليتين من التعبير وبدأت تصدر قرقرة مبحوحة عالية بدا كأنها تهز السلة. مددت يدي لألمس رأسها الحريري.
قلت: «هل سار كل شيء على ما يرام؟» «أجل، تماما. بالطبع استدعينا الطبيب البيطري إلى هنا منذ أن بدأ المخاض، لكنه قال إنه نادرا ما يشهد ولادة سهلة كتلك. أخذ معه اثنتين من الهريرات المولودة. ولم نقرر بعد بأي سنحتفظ من هاتين الاثنتين.»
منزلهما صغير، وغير مميز معماريا، وهو عبارة عن فيلا شبه منفصلة مبنية من الحجارة في الضواحي، ميزتها الأساسية هي حديقتها الخلفية الطويلة المنحدرة التي تمتد حتى القناة. بدا معظم أثاثها وجميع سجادها جديدا، وأعتقد أنه من اختيار هيلينا التي كانت قد تخلصت من عتاد حياة حبيبها القديمة، من الأصدقاء والنوادي، والأثاث العائلي والصور العائلية اللذين كانا يؤنسان وحدته في عزوبيته واللذين ورثهما مع المنزل. لقد استمتعت بتأثيث بيت له - كنت متأكدا من أن تلك هي العبارة التي استخدمتها - وأنه تنعم في نتيجة جهودها مثل طفل حصل على غرفة ألعاب جديدة. كانت تفوح في كل مكان بالمنزل رائحة الطلاء الجديد. كما جرت العادة في مثل ذلك النوع من المنازل الأكسفوردية، أزيل الحائط الخلفي لغرفة الجلوس لإنشاء غرفة كبيرة واحدة بها نافذة مشرفة على الواجهة، ونوافذ فرنسية تؤدي إلى شرفة زجاجية في الجانب الخلفي. على امتداد أحد حوائط الردهة المطلية باللون الأبيض، علق صف من الرسومات الأصلية لأغلفة الكتب التي رسمها روبرت، وقد وضع كل منها داخل إطار خشبي أبيض. يوجد اثنتا عشرة رسمة في المجمل وتساءلت إن كان عرضها على الملأ فكرة هيلينا أم فكرته. في كلتا الحالتين، كانت مبررا لاستنكاري الحانق الذي انتابني للحظة. أردت أن أتمهل وأتفحص الرسومات، لكن هذا كان يعني أن أضطر إلى التعليق عليها ولم يكن يوجد ما أود أن أقوله. لكن حتى من نظرتي العابرة لها رأيت أن بها قدرا بالغا من التأثير؛ إن روبرت فنان لا يستهان به؛ وذلك الاستعراض للموهبة الذي ينطوي على العجب بالذات أكد لي ما كنت أعرفه بالفعل.
في الغرفة الزجاجية تناولنا وجبة الشاي التي كانت عبارة عن وليمة مسرفة في البذخ من الباتيه والشطائر، والبسكويت الإنجليزي المصنوع بالمنزل وكعكة فواكه أحضرت على صينية عليها مفرش من الكتان منشى حديثا ومحارم مائدة صغيرة تتماشى معه. كانت الكلمة التي حضرت في ذهني هي «منمق». عندما نظرت إلى المفرش أدركت أنه مفرش كانت هيلينا تطرزه قبل أن تهجرني بقليل. إذن، كان ذلك التطريز المرسوم بعناية جزءا من جهازها المنزلي الذي كانت تعده أثناء خيانتها لي. أكانت تلك الوليمة المنمقة - وأصر على ذلك الوصف الازدرائي - معدة لإبهاري، كي تريني كيف يمكن أن تكون زوجة جيدة لرجل لديه استعداد لتقدير مواهبها؟ كان من الواضح لي أن روبرت يقدرها. فهو يكاد يتنعم في تدليلها الأمومي. ربما كونه فنانا يجعله يعتبر اهتمامها واعتناءها به حقا مكتسبا. أعتقد أن الغرفة الزجاجية تكون دافئة ومريحة في فصلي الربيع والخريف. حتى الآن، وبوجود مدفأة واحدة، كانت دافئة بالقدر الذي يبعث على الراحة ورأيت بصعوبة عبر الزجاج أنهما كانا يعملان بكد على تنسيق الحديقة. فقد استند صف من شجيرات الورد الشائكة التي لفت جذورها في الخيش إلى ما بدا أنه سياج جديد. الأمن والراحة والمتعة. كان زان ومجلسه سيستحسنون ذلك.
بعد الشاي اختفى روبرت لبرهة داخل غرفة الجلوس. ثم عاد وناولني منشورا. تعرفت عليه على الفور. فقد كان مطابقا لذلك المنشور الذي دفعت به جماعة «السمكات الخمس» تحت عقب بابي. قرأته بإمعان متظاهرا بأني أراه لأول مرة. بدا أن روبرت كان ينتظر مني ردا. عندما لم يحصل مني على رد قال: «كانوا يخاطرون بتنقلهم من باب إلى باب.»
وجدت نفسي أقول ما أعتقد أنهم فعلوه حتما، وتضايقت من معرفتي بذلك، ومن عدم قدرتي على إبقاء فمي مطبقا. «ما كانوا سيفعلونها بتلك الطريقة. هذه المنشورات لا تشبه مجلة أبرشية، أليس كذلك؟ من شخص بمفرده أن يوزعها، ربما متنقلا على دراجة، أو على قدميه، دافعا بمنشور تحت عقب أي باب يقابله ويصادف ألا يكون أحد موجودا بالجوار، تاركا بعضها في محطات انتظار الحافلات، وواضعا واحدة منها تحت مساحة زجاج سيارة مركونة.»
قالت هيلينا: «ما زالت تلك مخاطرة أيضا، أليس كذلك؟ أو ستكون كذلك إذا ما قررت شرطة الأمن الوطني مطاردتهم.»
قال روبرت: «لا أعتقد أنهم سيتكبدون عناء ذلك. فلا أحد سيأخذ ذلك على محمل الجد.»
سألته: «هل فعلت أنت؟»
فقد احتفظ بالمنشور على كل حال. أربكه السؤال الذي خرج مني بحدة لم أقصدها. نظر إلى هيلينا مترددا. أتساءل إذا ما كانا قد اختلفا حول ذلك الأمر. ربما كان سببا لأول شجار بينهما. لكني كنت سأتفاءل إن اعتقدت ذلك. لو كانا قد تشاجرا، لكانا قد تخلصا من المنشور بعد أول بادرة صلح.
Page inconnue