رفع ولفينجتون عينيه عن رسوماته العبثية. لا بد أن المجلس منعقد منذ مدة؛ فقد انتهى بالفعل من رسم جماعة من جنود المشاة. قال: «لم تكن وظيفته واضحة قط. لكن الحاكم طلب أن يكون موجودا وكان ذلك كافيا لي. هو لم يشارك بالكثير حسبما أتذكر، لكنه أيضا لم يعق عملنا.»
ابتسم زان لكن ابتسامته لم تتسع لتشمل عينيه. «كان ذلك فيما مضى. أهلا بعودتك. قل ما جئت لتقوله. نحن جميعا أصدقاء هنا.» نطق تلك الكلمات البريئة بنبرة جعلتها تبدو كأنها تهديد.
لم يكن ثمة داع للمواربة. قال ثيو: «لقد حضرت فعالية الراحة الأبدية التي أقيمت في ساوثولد يوم الأربعاء الماضي. وما شهدته كان قتلا متعمدا. المنتحرات نصفهن بدون مخدرات وأولئك اللواتي كن واعيات لم يذهبن كلهن طواعية. رأيت نسوة تجر إلى السفينة وتصفد. إحداهن ضربت حتى الموت على الشاطئ. هل صرنا نذبح مسنينا كالحيوانات غير المرغوب فيها؟ أهذا الموكب الدموي هو ما يعنيه المجلس بالأمان والراحة والمتعة؟ أهذا هو الموت بكرامة؟ لقد جئت إلى هنا لأني ارتأيت أنكم يجب أن تعرفوا ما يحدث باسم المجلس.»
قال في نفسه: «لقد انجرفت في حماستي، وأثرت عداوتهم من قبل حتى أن أبدأ فعليا. لأحافظ على هدوئي.»
قالت فيليشيا: «لقد أسيئت إدارة فعالية راحة الموت تلك بالتحديد. خرجت الأمور عن السيطرة. لقد طلبت تقريرا بما حدث. من المحتمل أن يكون بعض الحراس قد تجاوزوا حدود واجباتهم.»
قال ثيو: «أحد ما تجاوز حدود واجباته. أليست تلك هي الذريعة التي تستخدم دائما؟ وما الحاجة إلى حراس مسلحين وأصفاد إن كانت تلك النسوة قد ذهبن للموت طواعية؟»
كررت فيليشا تفسيرها بنفاد صبر عجزت عن إخفائه: «لقد أسيئت إدارة فعالية راحة الموت تلك بالتحديد. ستتخذ الإجراءات الملائمة ضد المسئولين عن ذلك. سيأخذ المجلس مسألتك بعين الاعتبار، مسألتك المنطقية والمحمودة بالتأكيد. أهذا كل شيء؟»
قال زان الذي بدا كأنه لم يسمع سؤالها: «عندما يحين دوري سأبتلع كبسولتي المميتة وأنا مرتاح في سريري داخل بيتي وسأفضل أن أفعل ذلك بمفردي. لم أفهم قط المغزى من فعاليات الراحة الأبدية، مع أنك تبدين متحمسة لها يا فيليشيا.»
قالت فيليشيا: «لقد بدأت عفوية. فقد قرر حوالي عشرين مسنا بعمر الثمانين في دار رعاية بسوسيكس تنظيم رحلة بالحافلة إلى إيستبورن، ثم قفزوا من فوق جرف بيتشي هيد، ممسك بعضهم بيد بعض. ثم ما لبث الأمر أن تحول إلى صرعة. بعد ذلك رأت بضعة مجالس محلية أنها يجب أن تستجيب لذلك الإقبال الواضح وتنظم الأمر بطريقة لائقة؛ فالقفز من فوق جرف قد يكون طريقة موت سهلة للمسنين، لكن سيتعين على أحد ما أن يتولى جمع جثثهم وهي مهمة بغيضة. وأعتقد أن عددا قليلا منهم بقي على قيد الحياة لفترة وجيزة. كان الأمر برمته فوضويا وغير مرض؛ لذا كان سحبهم إلى داخل البحر خيارا أكثر منطقية.»
مالت هارييت إلى الأمام وقالت بصوت مقنع وعقلاني: «الناس يحتاجون إلى طقوس الرحيل ويريدون أن يحظوا برفقة عندما تحين النهاية. أنت تملك القوة كي تموت وحيدا أيها الحاكم، لكن معظم الناس يجدون سكينة في الشعور بلمسة يد إنسان.»
Page inconnue