بخطى بطيئة، تكاد تكون رسمية، دخلوا السقيفة، يتلفتون حولهم بعيون قلقة، كمستأجرين يضعون يدهم على مسكن مرغوب فيه لكن لا يعرفه أحد.
قالت ميريام: «هي على الأقل مكان يئوينا، وعلى ما يبدو يوجد ما يكفي من الحطب الجاف لإشعال نار.»
حتى بوجود سياج الشجيرات والشتلات المتشابكة وحافة الأشجار، كان المكان مكشوفا أكثر مما يذكر ثيو. كان أمانهم لا يعتمد على ألا ترى السقيفة بقدر ما كان يعتمد على احتمالية عدم مرور عابر سبيل بعمق الغابة. لكن ما كان يخشاه لم يكن مرور عابر سبيل. إن قرر زان بدء البحث على الأرض في ويتشوود، فلن يستغرق العثور عليهم سوى سويعات، مهما كان مخبؤهم مستترا.
قال: «لا أظن أننا يجب أن نخاطر بإشعال نار. ما مدى أهميتها لنا؟»
أجابت ميريام: «النار؟ ليست مهمة جدا الآن، لكنها ستكون كذلك عندما يولد الطفل ويذهب ضوء النهار. فالليالي لا تنفك تزداد برودة. ويجب أن يظل الطفل وأمه دافئين.» «إذن فسنخاطر بإشعالها، لكن ليس قبل أن تصبح ضرورية. فسيبحثون حتما عن الدخان.»
كان يبدو أن السقيفة تركت في عجالة، أو ربما كان العاملون بها يتوقعون العودة إليها لكنهم منعوا من ذلك أو قيل لهم إن المنشأة قد أغلقت أبوابها. فقد كان يوجد حزمتان من الألواح الخشبية القصيرة في الجانب الخلفي من السقيفة، وكومة من الحطب الصغير الحجم، وجزء من جذع شجرة يقف مستويا، من الواضح أنه كان يستخدم طاولة، فقد كان فوقه غلاية مهترئة من القصدير وفنجانان مطليان بالميناء تقشر طلاؤهما. كان السقف في ذلك الجزء سليما وكانت الأرض ناعمة هشة تغطيها النشارة والبرادة.
قالت ميريام: «المكان مناسب هنا.»
دفعت بقدمها النشارة وجرفتها حتى صنعت منها سريرا خشنا، وفرشته بمعطفي المطر، ثم ساعدت جوليان على الاستلقاء فوقه، ووضعت تحت رأسها وسادة. همهمت جوليان باغتباط، ثم استلقت على جانبها وضمت ساقيها إلى جسدها. فردت ميريام إحدى الملاءات وغطتها بها، ثم وضعت فوقها بطانية ومعطف لوك. ثم انشغلت هي وثيو بتوضيب ما معهم من مؤن؛ الغلاية والإناء المملوء بالماء المتبقي، والمناشف المطوية، والمقص، وقنينة المطهر. شعر ثيو أن مخزونهم الصغير ذلك غير كاف لدرجة تثير الشفقة.
جثت ميريام على ركبتيها بجوار جوليان وأشارت إليها برفق أن تستلقي على ظهرها. قالت لثيو: «لا مانع من أن تتمشى قليلا إن كنت تريد ذلك. سأحتاج إلى مساعدتك فيما بعد، لكن ليس الآن.»
خرج شاعرا للحظة بأنه مطرود دون مبرر، وجلس على جذع الشجرة الساقط. غمرته السكينة التي كانت تعم الفرجة. أغمض عينيه وأصغى. بعد وهلة شعر أن بوسعه أن يسمع ما لا حصر له من الأصوات الخافتة، التي لا تلتقطها في العادة الأذن البشرية، كصوت احتكاك ورقة شجر بغصنها، وطقطقة غصين يجف؛ أصوات عالم الغابة النابض بالحياة، عالم سري كدود، غافل عن الدخلاء الثلاثة أو غير عابئ بهم. لكنه لم يسمع أي أصوات بشرية، لا وقع أقدام، ولا صوت سيارة بعيدة تقترب، ولا أزيز المروحية عائدة. جرؤ على أن يأمل أن يكون زان قد استبعد أن يكونوا مختبئين في غابة ويتشوود، وعلى أن يأمل في أن يكونوا آمنين، على الأقل لبضع ساعات، لوقت كاف لأن يولد الطفل. وللمرة الأولى، فهم ثيو رغبة جوليان في أن تضع طفلها في السر، وتقبلها. فتلك الغابة التي كانوا يلوذون بها، وإن كانت لا تفي بالغرض، ستكون بلا شك أفضل من الخيار البديل. مرة أخرى، تخيل الخيار البديل؛ السرير المرتفع المعقم، الذي تحفه مجموعات الآلات التي وضعت تحسبا لأي طارئ طبي محتمل، وأطباء التوليد البارزين، الذين استدعوا من تقاعدهم، يقفون معا مرتدين الكمامات والأردية الطبية، لأنه بعد مرور خمسة وعشرين عاما كان الأمل أكبر في اجتماع ذاكرتهم وخبرتهم، وكل منهم متلهف لأن ينال شرف توليد ذلك الطفل المعجزة، ومع ذلك يخشى نوعا ما تلك المسئولية الرهيبة. تصور المساعدين، والممرضات والقابلات اللواتي يرتدين أرديتهن المهنية، وأطباء التخدير، ووراءهم تبرز كاميرات التلفاز وطواقمه، والحاكم يجلس وراء شاشته ينتظر أن يذيع النبأ للعالم المترقب.
Page inconnue