A Quantitative Approach to the Study of Medieval Islamic Biographical Dictionaries
طريقة كمية لدراسة معاجم التراجم الإسلامية في العصور الوسطى
Maison d'édition
مطابع الجامعة الإسلامية
Numéro d'édition
الأولى ١٤٠٤هـ/١٩٨٤م
Lieu d'édition
المدينة المنورة
Genres
مقدمة
...
تقديم
بقلم د/ أكرم ضياء العمري
رئيس المجلس العلمي
الحمد لله حق حمده والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحبه ومن اتبعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اطلعت على هذا البحث الذي كتبه الأستاذ/ رجارد بليت باللغة الإنكليزية ونشره في مجلة الشرق الاقتصادي والاجتماعي في سنة ١٩٧٠م بعنوان (Aquantitative approach to medieval muslim biographical dictionaries.) وقد أعجبتني النتائج الجريئة التي وصل إليها من خلال استخدام الطرق الإحصائية في دراسة تراجم رواة الحديث في نيسابور التي ضمها كتابا الحاكم النيسابوري (ت٤٠٥هـ) وعبد الغافر الفارسي (ت٥٢٩هـ) وقد تبدو بعض الملاحظات متعسفة، ولكن منهج البحث بين جدوى استخدام الطرق الكمية في
1 / 7
الدراسة التاريخية أحيانًا وخاصة في النواحي الاجتماعية والاقتصادية التي نحس بفقر مصادرنا فيها، في حين تتضخم فيها الجوانب السياسية والأدبية.
فقد تمكن الباحث ببراعة من الوصول إلى الطرق المسلوكة نحو نيسابور في القرون الهجرية الخمسة الأولى وحجم حركة النقل عليها من خلال الدراسة الكمية لنسبة العلماء إلى المدن توصل إلى متوسط العمر العلماء في تلك الحقبة وهو ٧٥ سنة ميلادية. وقد استعان الباحث بالرسوم البيانية، وحاول مطابقة النتائج الإحصائية بالمعلومات التاريخية التي تقدمها كتب التاريخ العام. موضحا أثر الأحداث السياسية على النشاط الاقتصادي وخاصة حركة النقل البري من نيسابور وإليها، وظهور قوة مدن أخرى تنافسها سياسيًا واقتصاديًا مثل بخارى في عهد السامانيين بالإضافة إلى أثر تنامي استقلال خراسان عن الخلافة العباسية ببغداد مما يضعف حركة التجارة بين المركزين. مع الإشارة إلى أثر الصراع بين السامانيين والبويهيين والغزنويين والسلاجقة على حركة النقل والتجارة في المنطقة.
ونظرًا للجدة في منهج المؤلف في نطاق الدراسات التاريخية العربية وللطرافة في نتائج البحث مهما بدا فيها من
1 / 8
تعسف أحيانًا فقد اقترحت على الأستاذ الفاضل/ شاكر نصيف العبيدي القيام بترجمة هذا البحث إلى اللغة العربية فقام بذلك مشكورًا وطلب مني أن أسجل بعض التعليقات الضرورية دفعًا للبس أو إيضاحًا لوهم ربما حصلا بسبب ثقافة الكاتب الغربية وعدم وضوح معالم الثقافة الإسلامية في ذهنه بدقة، وقد تبنى المجلس العلمي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة نشر هذا البحث خدمة لمحبي الدراسات التاريخية، والله من وراء القصد.
1 / 9
طريقة كمية لدراسة معاجم التراجم الإسلامية في العصور الوسطى
(بحث بقلم رجاردو. بليت، نشر بالإنكليزية في مجلة الشرق الاقتصادي والاجتماعي - المجلد الثالث عشر - الجزء الثاني - نسيان ١٩٧٠م) .
ترجمة شاكر نصيف لطيف العبيدي / الأستاذ المساعد في قسم اللغات الأوربية / كلية الآداب / جامعة بغداد.
1 / 10
مقدمة
إن الغرض من هذا البحث هو استكشاف طريقة لدراسة معاجم التراجم الإسلامية في العصور الوسطى١ -والتي ستكون حسب اعتقادي- ذات فائدة عظيمة للمؤرخ الاجتماعي والاقتصادي.
إن الأساس الذي تقوم عليه هذه الطريقة هو تركيب معاجم التراجم تلك وطريقة تأليفها، وبالطبع فإن هذه المؤلفات يختلف بعضها عن البعض الآخر اختلافًا كبيرًا. إنها تختلف من حيث موضوعاتها الأساسية، فبعضها يدرج أسماء أصحاب النبي ﷺ وبعضها يذكر جميع العلماء المقيمين في مدينة معينة أو ينتمون إلى فرقة دينية معينة، وبعضها يذكر جميع الأشخاص الذين توفوا في قرن معين، وهكذا دواليك، كما أنها تختلف من حيث التنظيم فبعضها يتبع الحروف الهجاء بدقة وبعضها مقسم
١ إن مصطلح العصور الوسطى يرتبط بتقسيم التاريخ الأوربي، ويمثل حقبة مظلمة، وهي تقابل حقبة مضيئة في التاريخ الإسلامي، فينبغي عدم سحب ظل هذا المصطلح القاتم على التاريخ الإسلامي.
1 / 11
على أساس الفترات التاريخية المتعاقبة وبعضها مقسم إلى طبقات قائمة على أساس زمني١، ولكنها تستند في جوهرها على آراء شخصية، كما أنها تختلف أكثر من ذلك في المحتويات الأساسية للتراجم الفردبة، إن الصفة الوحيدة التي تشترك فيها جميع التراجم تقريبا في المسألة الأخيرة هي أنها قلما تتضمن معلومات عن سير الأفراد مما يعتبر ذا أهمية تاريخية، ومع ذلك فإن هناك صفات معينة تشترك بها هذه التراجم مما يجعلها ذات قيمة بالنسبة للمؤرخ، إن الصفتين المهمتين من هذا النوع هما توفر كمية من المعلومات المتعلقة بالسير القياسية نسبيًا ودرجة من العشوائية في اختيار الأشخاص الذين تتضمنهم الكتب، ولا نحتاج إلى جهد لإثبات النقطة الأولى فنظرة عابرة في كتاب بروكلمان (تاريخ الأدب العربي) تكفي لإقناع أي شخص بأن عدد التراجم الشخصية الموجودة قد تصل إلى مئات الألوف وربما الملايين، إلا أن النقطة الأخيرة أقل وضوحًا، ويمكن القول في هذا الوقت بأنه بينما يكون اختيار التراجم ليس بعشوائي كما هي الحالة في الطبقات الاجتماعية، نجد الأمر كذلك بكل تأكيد في الحالات الأخرى كما هي حال الأسماء الأولى. إن كتب التراجم تختلف -طبعا- بصورة كبيرة بالنسبة للطرق التي يظهر بها الاختيار العشوائي، إن هذه الصفحات جميعًا
١ ينبغي تفطن إلى أن الأساس الزمني للطبقات ليس محددًا، صحيح أن الطبقات اللاحقة تكون غالبًا متأخرة زمنيًا عن الطبقات السابقة، ولكن يوجد تداخل كبير بين الطبقات من الناحية الزمنية ما عدا كتاب الإسلام للذهبي، ففيه
1 / 12
بالطبع تمثل مؤشرات لنوع من معالجة الكمية أو الإحصائية وإن المقال الحاضر موجه إلى استكشاف هذا الخط من البحث.
لم ينشر لحد الآن إلا القليل في هذا المضمار، إذ أن العلماء اعتادوا على استعمال كتب التراجم كما أراد لها مؤلفوها، أي كمصادر أو مراجع، والسبب في ذلك لا تصعب معرفته، إذا بدا أن الشاذ النادر من التراجم فقط يحتوي على معلومات ذات قيمة تأريخية، فمن الواضح كذلك أنه ليس بالإمكان أن نتعلم إلا النزر القليل عن طريق (دراسة الكمية) لجميع التراجم الشاذة. وهكذا فإن المسألة هي كيف يمكن أن نستفيد فائدة ذات معنى من هذا الضرب من الكتابة، والذي تكمن فيه حقًا فائدة كبيرة؟ في المرحلة الحالية للبحث في هذه الطريقة الكمية قد تكون الجهود معرضة لأن تثقل بصورة كبيرة بافتراضات تجعلها الطريقة تأملية إلى حد ما، من النادر ورود معلومات موثقة في مجال التاريخ الاجتماعي أو الاقتصادي في المصادر الإسلامية للقرون الوسطى مما يجعل من العسير إثبات النتائج التي يتوصل إليها بالوسائل الكمية، وهكذا تبقى هذه النتائج غير نهائية إلى أن يتم تطور وسائل البحث تطورًًا كاملًا، ومع ذلك فإني أرى
1 / 13
أن لا بد من الشروع بالاستفادة من أعظم مصدر للمعلومات عن الشرق الأوسط في القرون لم يطرق لحد الآن.
1 / 14
الفصل الأول
لقد رُجع إلى كتابين للتراجم في تهيئة هذا البحث وهما: (تاريخ نيسابور) لمحمد بن عبد الله البيع النيسابوري المتوفى في ٤٠٥هـ والمعروف بالحاكم النيسابوري، و(السياق لتاريخ نيسابور) لعبد الغافر بن إسماعيل الفارسي المتوفى في ٥٢٩هـ، إن المخطوطات الموجودة لهذين المؤلفين نشرت تصويرًا في كتاب (تاريخ نيسابور) الذي حرره"د. ن فراى"، وهناك مخطوطة للمصدر الأول التي تزيد على معجم للقاموس الأصلي المتعدد الأجزاء، حيث لا يرد في أغلب كتب التراجم الكثيرة من المعلومات عن صاحب الترجمة إلا اسمه.
أما المؤلف الثاني فيوجد في مخطوطتين كل منهما تحتوي على تراجم لا تحتويها المخطوطة الأخرى، إلا أن الظاهر أن المخطوطتين تحتويان فيما بينهما جميع التراجم التي تحتويها الأصل باستثناء عدد قليل.
إن المؤلف الأخير كتب كاستمرار للمؤلف السابق. وهكذا فإن مبدأين مهمين للطريقة الكمية لهما أهمية مباشرة في أية دراسة لهذين المؤلفين: الأول هو أن الهيكل العام لمخطوطة الحاكم النيسابوري تقدم لنا اختيار محددًا واضح
1 / 15
المعالم للفكرة القائلة بإمكانية استخلاص معلومات نافعة من مجرد قوائم الأسماء.
والثاني هو أن استعمال مؤلفين يعالجان نفس الموضوع ولكنهما يغطيان فترات زمنية مختلفة يختبر درجة إمكانية مقارنة كتب مختلفة للتراجم، وهذا لا يعني بأن هناك أي مبرر يدفعنا للاعتقاد بأن كتب التراجم للعصور الوسطى يمكن اعتبارها قابلة للمقارنة من حيث المعالجة الكمية كمبدأ عام، وإنما يمكن القول بأن مختارات من كتب التراجم يمكن مقارنتها بشكل يؤدي إلى فائدة ولكن بشكل محدود.
قبل الانتقال إلى استكشاف الطريقة الكمية التي تمثل لب موضوعنا، يجب أن نقيم الأساس للمقارنة داخل هذين الكتابين وبينهما والذي تستند عليه طريقتنا، إن المبادئ التي تتضمنها هذه المؤلفات هي أن الفرد لابد أنه عاش أوزار مدينة نيسابور في إقليم خراسان في شمال شرقي إيران ولابد أنه كان يتمتع بشيء من الشهرة ضمن طبقته الدينية، أي تلك الفئة من السكان التي كانت تهتم بصورة خاصة بإرادة وحفظ ونشر وشرح الدين الإسلامي١، ومن الواضح أن هذه الأسس
تنطوي على كثير من المعلومات بشأن الحالة الاجتماعية والاقتصادية العامة للفرد، ويمكن
١ لقد لاحضت بعض الركاكة في الأسلوب في الصياغة أحيانًا، وبعض الغموض اليسير، لكنني لم أتدخل في هذا الأمر
1 / 16
عمل الكثير إحصائيًا للوصول إلى تحديد أكثر دقة لهذه الحالة أو هذا النمط من الحالات الاجتماعية، وكل ما علينا أن نفترضه الآن هو أن هؤلاء الناس بصورة عامة ينتمون إلى طبقة ثرية نسبيًا وتتمتع بامتيازات خاصة١.
وبعد الخوض بصورة سطحية في حدود الجغرافية والاجتماعية لكتب التراجم يبقى لدينا العمل الأكثر أهمية وهو تحديد نظام التسلسل التاريخي للأحداث، إن كلا الكتابين مرتبان حسب الحروف الأبجدية وذلك استنادًا للاسم الأول للشخص ولكنها مرتبة كذلك حسب الطبقات، ففي مخطوطة الحاكم النيسابوري تظهر كل طبقة كوحدة مستقلة مرتبة أسماؤها حسب الحروف الأبجدية، أما في مخطوطة عبد الغافر الفارسي، من الناحية الثانية، فإن كل مجموعة من الأسماء المتشابهة قسمت إلى طبقات، وفي بعض الأحيان لا يبدو واضحًا إلى أية طبقة ينتمي فرد ما، إن مجموع الطبقات في كلا الكتابين هو أحد عشر طبقة، ثمان منها في الحاكم النيسابوري وثلاث في عبد الغافر الفارسي.
ومن سوء الطالع أن المبدأ الذي يمكن استعماله لتحديد التاريخ الأخير لكل طبقة لازال غير معروف، إن المبدأ النظري القائم على أساس الأجيال التي جاءت بعد محمد
١ الواقع أن الفرضية ليست صحيحة، فإن رواة الحديث كانوا من طبقات اجتماعية متباينة ومعظمهم من الفقراء. ويبدو أن الكاتب متأثر بمفهوم الطبقة الاجتماعية في العصور الوسطى الأوروبية، وهو يرى أن الأثرياء وحدهم يمكن أن تخلد أسماؤهم في الكتب مثل تلك العصور.
1 / 17
ﷺ يمكن تطبيقه على طبقتين الأوليتين من طبقات الحاكم النيسابوري، وبعد ذلك فيبدو أن الطبقات تختلف اختلافًا كبيرًا بالنسبة لمدة بقائها وتبدو أن لا علاقة لها بمسألة الأجيال١، إن الطبقة الوحيدة التي تبدو لها علاقة بشيء محدَّد هي أقصر الطبقات وهي الطبقة الثامنة للحاكم النيسابوري، فيبدو أن هذه الطبقة تتألف من معاصري وأصدقاء المؤلف، ويبدوا فيها الكثير من الأشياء الخاصة وذلك بسبب الطريقة غير الموضوعية التي جمعت على أساسها والتي تختلف بصورة واضحة عن الطريقة التي اتبعت في دراسة الطبقات الأخرى، لذا يجب إهمالها في أكثر الحالات العمل الإحصائي.
مع أن المبدأ الذي يتحكم في التقسيم حسب التسلسل التاريخي غير واضح فإنه مما لا شك فيه أن الأقسام تخضع لهذا المبدأ في الواقع، فعن طريق جمع تواريخ الوفاة التي تزودنا بها التراجم الشخصية يمكن بسهولة أن نقرر بأن أول تاريخ للوفاة لكل طبقة هو نفس التاريخ أو تاريخ لاحق لآخر وفاة الطبقة السابقة، وهذا يؤيد القول بأن الطبقات تتبع التسلسل التاريخي حسب تاريخ الوفاة١
_________
١ إن المؤلف يقرر عدم معرفته للأساس الذي بني عليه نظام الطبقات في كتابي الحاكم الغافر سوى الطبقتين الأولى والثانية والثالثة والطبقة الثامنة. ومن المفيد أن أبين هنا أن أساس تنظيم الطبقات يقوم على اللقيا وليس على أساس الجيل ولا وفق زمني دقيق
1 / 18
وهي تحدد كذلك على الأقل التاريخ التقريبي لنهاية كل طبقة.
يعطينا الجدول الآتي نتائج هذا القرار بالنسبة للطبقات الأحد عشر الواردة في الكتابين، كما ورد أنه يبين عدد التراجم في كل طبقة (بصورة تقريبية بالنسبة لطبقات عبد الغافر الفارسي وذلك بسبب الغموض الطارئ في المسألة إلحاق بعض الأفراد بطبقة ما)، كما يبين الجدول معدل عدد التراجم للسنة الواحدة وذلك بتقسيم الفترة الزمنية للطبقة على أعداد التراجم:
1 / 19
جدول رقم (١)
1 / 20
من المؤكد أن أكثر نقطة جلبًا للنظر في هذا الجدول هي عمود معدل التراجم للسنة الواحدة، لو تجاهلنا الطبقات الثلاث الأولى والتي جاءت في تاريخ نيسابور المبكر الغامض وقبل تطور وتعقيد الوسائل العلمية للمسلمين ونظامهم التربوي، والطبقة الثامنة التي نوقشت آنفا، نجد فترة ثلاثة قرون بقيت خلالها معدلات عدد التراجم ذات حجم متشابه، أما معدل التراجم لهذه الفترة بأجمعها فهو ١٣ للسنة الواحدة، وبكل تأكيد أن هذه النتيجة تبرهن على الانتظام الكبير في تجميع التراجم الشخصية، ويمكن القول كذلك بأن هذا النظام أكبر مما يبدو لأول وهلة، إذ أن التغيير في المعدلات إنما يتبع الخط البياني لزيادة أو انخفاض عدد سكان نيسابور والذي يمكن معرفته من مصادر مستقلة كالجغرافيين، وهذا يعني أن سكان المدينة وبالتالي حجم الطبقة الدينية كان أكبر خلال فترة السامانية للطبقة السابعة حيث بلغ معدل التراجم للسنة الواحدة ثمان عشرة ترجمة، وهو أكبر من معدل التراجم لأية فترة سابقة، حيث كانت نيسابور في بداية بروزها كمدينة عظيمة تحت رعاية الطاهريين، أو فترة لاحقة حين عم البلاد الاضطراب عند تدفق الأتراك وقيام الإمبراطورية السلجوقية، وهكذا نرى أن عدد
1 / 21
التراجم للسنة الواحدة لكل طبقة دينية متشابهة قد تكون أكثر انتظامًا مما يشير إليه الجدول.
وهكذا نجد في فترة أطول بكثير من حياة المؤلفين وفي كتابين منفصلين للتراجم نجد دليلًا على انتظام مدهش، والسبب يكمن بالتأكيد في طبيعة النظام التربوي والعلمي والإسلامي، وبإيجاز فإن العالم يؤلف كتابًا يحتوي على ملاحظات لترجمة حياة كل من درس عنه أو سمع عنه شيئًا ذا أهمية دينية، وهذه المؤلفات التي تسمى المشيخات (مفردها مشيخة) قد أخذت طريقها إلى مكتبات المرتبطة عادة بالمؤسسات الدينية والتربوية للمدن الإسلامية في العصور الوسطى، وبعد ذلك حصل أن رجالًا مثل الحاكم النيسابوري وعبد الغافر الفارسي قرأوا هذه المشيخات وقواميس أخرى للتراجم تسبقها واختاروا تراجم من أرادوا أن يترجموا لهم حسب الأسس التي وضعوها لكتاباتهم، وبعد مقارنة مجموعة الملاحظات الناتجة يُزال المكرر منها ويؤلف كتاب للتراجم، وبالتالي فإن من النادر أن يقوم مؤلف القاموس الأخير بعمل اختيارات أولية، وإنما كل قاموس للتراجم هو عبارة عن نتائج عدد كبير من الجهود الفردية وهذا يعلل الانتظام الذي لاحظناه أعلاه والذي يضمن عدم تأثير أهواء
1 / 22
المؤلف الأخير على محتويات مؤلفة بشكل كبير، وهذا يؤكد الفكرة القائلة بأن الموضوع الذي نعالجه إنما هو نموذج حقيقي عشوائي لطبقة رجال الدين١ يمكن الاعتماد عليه لفترة طويلة من الزمن.
وبعد إيضاح طبيعة وتركيب كتب التراجم موضوعة البحث بهذا الشكل يمكننا الآن أن نستمر في تبيان الطريقة الكمية
1 / 23
الفصل الثاني
إن معظم الأسماء الشرق الأوسط في العصور الوسطى يتكون من عدة أجزاء، وأي شخص يمكن أن يعرف بجزء واحد من اسمه، ولكن بصورة عامة تحتوي قواميس التراجم على جميع الأسماء التي تعرف بها صاحب الترجمة آنذاك، وباستثناء ذلك النوع من الأسماء الذي يملكه كل شخص في الواقع وهو الاسم والكنية فإن النوع الشائع للتسمية هو النسبة، والنسبة في الأساس اسم تضاف إليه اللاحقة (ي) والتي تحيله إلى صفة لتبيان علاقة (نسبة) ويمكن لهذا الاسم أن يدل على أي شيء، فيمكن أن يكون اسم القبيلة، ككلب مثلًا، فالشخص الذي يدعى «الكلبي» هو فرد من تلك العائلة أو من أبنائها أو من أتباعها أو له علاقة ما بتلك القبيلة بشكل من الأشكال. ويمكن للنسبة أن تكون متعلقة بمكان ما، فالبغدادي رجل له علاقة ببغداد بشكل أو بآخر، والنيسابوري له علاقة بنيسابور بشكل ما وهكذا دواليك، ويمكن أن تشير النسبة إلى مهنة الشخص أو نقص في جسمه أو اتجاه ديني معين أو سلف مشهور أو فضيلة معينة أو غير ذلك.
1 / 24
والنوع الذي يهمنا من النسب في هذا المكان هو ما يتعلق بمدينة معينة، والافتراض الذي يمكن أن نعمله الآن هو أن التكرار الغالب نسبيًا للنسبة الجغرافية في الفترات تاريخية مختلفة تعكس بصورة مباشرة حركة النقل على الطرق خلال تلك الفترات، وبصورة غير مباشرة مستوى حجم التجارة والرفاه، ترد للذهن اعتراضات كثيرة على هذه النظرية لأول وهلة ويمكن تقسيمها إلى نوعين: الأول هو الاعتراض على الافتراض القائل بأن اسم النسبة يعني بأن الشخص قد انتقل من المكان الذي تشير إليه النسبة إلى نيسابور، والاعتراض الآخر هو على الاستنتاج بأن حجم النسب بطريقة ما لها علاقة بحجم حركة السفر، دعك عن التجارة.
والاعتراض الرئيسي في المجموعة الأولى هو أن النسبة قد تكون اسم لعائلة يعكس علاقة مادية بالمدينة التي تشير إليها النسبة حصلت قبل أمد بعيد حين انتقل أحد الأجداد من مكان إلى آخر، إن هذا القول محتمل، بلا ريب. ولكن من دراسة حوالي ٢٠٠ مائتي شجرة للأنساب استخلصت من التراجم المقدمة من قبل عبد الغافر الفارسي وجد أنه من النادر استعمال مثل هذا النوع من النسبة كأسماء للعائلة في نيسابور، إن كثيرًا من النسب
1 / 25
تبدو كأسماء للعوائل بالفعل وذلك حين يحمل الاسم جميع أفراد العائلة ولعدة أجيال، ومعظم النسب من هذا القبيل تعود إلى أسماء قبائل عربية، أومهن، أو أجداد بارزين أما النسب الجغرافية ما عدا تلك التي تتعلق بقرية محلية أو محلة (حارة) حيث تستمر العائلة على الإقامة، فإنها تميل إلى الزوال بعد جيلين، وحتى في حالة حمل أب وابنه لنفس النسبة فيحتمل جدًا أن يكون الاثنان قد نشآ في المدينة التي تشير إليها النسبة وهاجرا أو سافرا إلى نيسابور سوية.
والاعتراض الآخر من هذا النوع هو الحالات النادرة التي يحمل فيها الشخص واحد اسمين أو ثلاثة أسماء للنسبة، وهكذا يكون منشئه غامضًا، إلى أن حالات النسبة الجغرافية المضاعفة من السهل تفسيرها عادة، ففي الغالب يشير أحد أسماء النسبة إلى المدينة والآخر إلى قرية قربها أو إلى حارة في المدينة، ولكن في حالات أخرى يبدو من الواضح أن الشخص كان قد أقام حقًا في الأماكن العديدة التي تشير إليها أسماء النسبة وكان يكتسب نسبة جديدة كلما غير محل إقامته، وهكذا فحين نتكلم عن مجموعة النسب الجغرافية نجد ما يدل بقوة على أنه في حالة حمل رجل اسمًا يشير إلى مكان معين فإنه من المحتمل جدًا أن يكون قد أقام في ذلك المكان في فترة ما من حياته.
1 / 26