﴿إِنِ الْحُكْمُ﴾ والقضاء الفعليُّ ﴿إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ بعد أخذي بالأسباب كما أمر، ﴿وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)﴾.
التَّوكُّلُ محلُّه القَلْب
والأخذ بالأسباب مع التَّوكُّل على الله تعالى فرضٌ دينيٌ؛ لذلك نرى يَعْقُوبَ - ﵇ - يجمع بين الأخذ بأسباب السَّلامة والتوكُّل، ﴿وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا ...﴾ الآية.
والتوكُّل: هو اعتماد القلب على الله تعالى وحده، فلا ينفع العبد قوله: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ... (٥٦)﴾ [هود]، وهو معتمدٌ على سواه؛ كمن ينطق بالتَّوبة وهو مصرٌّ ومضْمِر على المعصية، فتوكُّل اللِّسان شيء، وتوكُّل القلب شيء آخر.
قُلُوبُ العارفين لها عيونٌ
أَذِنَ يَعْقُوبُ - ﵇ - بإرسال أخيهم لمقابلة عزيز مِصْر، ولكنَّه كان يتوجَّس أمرًا، ويتوقَّع حدثًا، ويتخيَّل كربًا سيلاقُونَه، ونفهم هذا من قولِه: ﴿إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾.
وهكذا المؤمن الحقُّ دليله قلبُه، فيعقوب - ﵇ - يحسُّ بشيء سيجري لأولاده قبل أوانه، لذا نراه ينصحهم فيقول لهم بلسان الشَّفقة والمحبَّة: ﴿يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾ وقد أحسن القائل:
قُلوبُ العَارفينَ لها عيون ... ترى ما لا يراه الناظرونا