Histoire de la méthode des savants du Hadith dans la critique des récits par chaîne et texte
حوار حول منهج المحدثين في نقد الروايات سندا ومتنا
Maison d'édition
دار المسلم
Numéro d'édition
الطبعه الاولى
Genres
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله، والصلاة والسلام رسول الله وأصحابه ومن والاه؛ أما بعد: فتتضمن هذه الوريقات:
أ – حوارًا جرى بيني وبين أخ عزيز حول منهج المحدثين في قبول الروايات وردّها "بين نقْد السند ونقْد المتن.
وألحقت به وريقات في الموضوع ذاته كنت كتبتها بعنوان:
ب- أهمية التثبت من الرواية.
ج- تأملات في منهج المحدثين في النقد "ميزاته ومحاسنه".
1 / 5
أحببت إخراجها لينظر فيها أهل العلم لاسيما المتخصصين، سائلًا المولى جل وعلا التوفيق السداد.
وقد استأذنتُ محاوري في أن أذْكُرَ اسمه، فلم يَرَ ذلك، فنزلتُ عند رغبته.
ولم أستطع زيادة شيء أو حذف شيء التزامًا بنص الحوار.
وآمل أن يُلْقي هذا الحوار، بأسئلته وأجوبته، الضوء على منهج المحدّثين في نقْد الروايات، الذي لا أشك، من حيث هو منهج، في أنه معجزة من معجزات هذا الدين!.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الله بن ضيف الله الرحيلي
ربيع الثاني ١٤١٤هـ
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
دَارَ حوارٌ بيننا حول منهج المحدثين في نقدهم للسند والمتن في الرواية.
وقد كان لِمُحَاوري عنايةٌ وتحقيق في رواية الأخبار وضوابط صِدْقِها بين منهج البحث العلمي الحديث ومنهجِ المحدثين.
وقد نَمّت تساؤلاته التي أثارها في شكل حوار بيني وبينه – نَمّت عن تصورٍ إجمالي لمنهج المحدثين في تمييز صحيح الروايات من سقيمها كما اتسمتِ التساؤلات بالنقد العقلي – وَفْق ضوابطه الإيمانية – وهو أمر يُقِرُّه منهجُ المحدثين، بل ويُعْنون به في نقْدهم للروايات، من أجْل هذه السِّمات ومن أَجْلِ أهميةِ الموضوع كان اهتمامي بالإجابة والحوار، ولأجْلِ
1 / 7
إدراك مُحَاوِرِي لأهميةِ الموضوع ولعنايته بالتحقيق العلمي كذلك كان طَرْقُهُ معي لهذا الموضوع.
وقد جاءت الإجابات بحسب ورود تساؤلاته، كما أن بعض تلك التساؤلات نشأت عن بعض الإجابات. وقد اقتضى هذا العودةَ لبعض موضوعات البحث أكثر مِنْ مرة وفي مناسبات متفرِّقة، وقد دار حوار بيننا أخيرًا في ترتيب هذه المادة للنشر: فمِنْ رَأْي يقول: تُرتَّب حسب التسلسل العقلي المتدرج في طَرْق الموضوع.
ومِنْ رَأْي يقول: يترك الترتيب وَفْق واقع الحوار وترتيبه؛ لقوَّة العلاقة بين السؤال والجواب بغض النظر عن النتيجة، وكان الاختيار الرأيَ الثانيَ.
وأذكر فيما يأتي الحوار وفق أجوبتي – على ما أعلمه في الموضوع وبناء على التأمل في شروط المحدثين لصحة الرواية وتطبيقاتهم في ذلك- فإن أصبت فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي القاصرة، وأستغفر الله. وهو سبحانه المستعان.
1 / 8
نصُّ الحوار
تجاذبنا الحديث – وقد حُبِّبَ إليه النقاش والحوار في المسائل العلمية بالأسلوب العلمي كما حُبِّبَ إليّ ذلك؛ لأنه طريقٌ لمعرفة الصواب.
1 / 9
خلل أو تقصير في هذا الجانب، كما أنهم نظروا في السند –أيضًا- النظرَ الكافي اللازم دول خلل أو تقصير. وإن كانت أنواع علوم السند الناتجة عن فحْصهم له ربما تكون أكثر من أنواع علوم المتن الناتجة عن فحصه، وذلك لما تقتضيه طبيعة كل منهما.
وهذا من الأدلة على أنهم أعطوا كلًا من السند والمتن حقه، وليس دليلًا على أنهم أهملوا المتن.
ولو تساءل متسائل عن مدى وفاء منهج المحدثين في نقد الروايات بالغرض منه، لكان الجواب: أنه وفّى به على أتم الغاية، وقواعدُهم تشهد بهذا، وهي باقية صالحة للتطبيق إلى اليوم، ومما يدل على هذه الحقيقة أنواعُ علوم الحديث التي انبثقت عن تمحيصهم للسند، وأنواعُ علوم الحديث التي انبثقت عن تمحيصهم للمتن، بحيث لو أراد أحدٌ أن يزيد وجهًا واحدًا في نقد السند على صنيعهم أو وجهًا واحدًا في نقد السند على صنيعهم أو وجهًا واحدًا في جانب المتن قد تركه المحدثون مما ينبغي أن يوجد لِنقْد الرواية لو أراد أحد ذلك لما استطاع.
1 / 10
ومن هنا فإننا نطالب من يعترض على المحدثين في منهجهم في قبول الروايات وردها:
أوّلًا: أن يَدْرس منهجهم ويستوعبه قبل إصدار الحكم عليه، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وثانيًا: أن يُثْبت لنا وجهًا واحدًا يتعين مراعاتُهُ في نقد السند أو المتن قد قصّر المحدثون في مراعاته أو لم يتنبهوا له. ونقول له: دونك أسانيد الأحاديث ومتونها، فتشْ فيها عساك تجد قُصُورًا في منهجهم في التثبت والتمحيص فتثبتَهُ لنا بمنهج علمي يرقى إلى مستوى منهجهم فضلًا عن أن يَعْلوَ عليه أو يَسْتَدْرِك. وأما الدعوى التي لا دليل عليها فهي باطلة.
فإن قيل: إن المنهج لا يصلح، فنقول على القائل إثبات ذلك، وعليه نَقْضه بإثبات البديل الصالح، أما أن يقول: إنه لا يصلح، وهو لا يستطيع فهمه فضلًا عن أن ينقض قواعده فهذا لغْوٌ من القول لا يُعتدُّ به، وكلُّ إنسان لا معرفة عنده يستطيع أن يقول مثل هذه الكلمة. وأما أن يقول: إنه لا يصلح، وهو لا يقدر على إيجاد
1 / 11
عُشْر مِعْشاره بديلًا له، فهذا لغْوٌ من القول لا اعتداد به في المنهج العلمي.
وليس الأمر أمر عاطفة أو هوى، ولكنه إذعانٌ لمنهج علمي وإيمان به أو نقْض له بأدلة علمية لا تتأثر بالهوى أو العواطف.
1 / 12
س١: فقال لي:
ماذا عن منهج المحدثين في نقد الروايات، هل عنايتهم ينقد السند أكثر من عنايتهم بنقد المتن؟ أي أنه أكثر من حيث الكم؟.
قلت له:
القول بأنّ المحدثين قد نقدوا المتن كما نقدوا السند ليس معناه أنّ نقدهم للمتن مساوٍ في المقدار والكمية لنقد السند، إنما المراد بهذا أنهم نظروا في المتن النظرَ الكافي اللازم للتثبت من الروايات دون
1 / 9
س٢: قال لي:
أي منهج علمي تريد؟ ذاك الذي هو عِلْمانيّ المُنْطَلَق أو ذاك الذي هو إيمانيّ المُنْطَلَق؟ وبعبارة أخرى: نحن نعتقد صحة أشياء كثيرة، ويحق لنا ذلك، دون أن تَثْبُتَ بالمنهج العلمانيِّ المُنْطَلَق، وإنما لثبوتها بالمنهج العلميِّ الإيمانيِّ المُنْطَلَق.
فقلت له:
الضوابط العلمية للتّثبت في الرواية عندنا نحن المسلمين –كما هي الحال في منهج المحدثين- ليستْ مستندة للإيمان بالغيب، بحيث يكون ضابطًا من ضوابط تثبيت الرواية أو تزييفها، بل هي ضوابط عقلية
1 / 12
تستند إلى العقل، وإلى القضايا التاريخية الثابتة، ومقارنةِ الروايات وعَرْضها على بعضها أو على سواها مما رآه المحدثون ضابطًا أو دليلًا على صحة الرواية.
وهذه الضوابط بهذا الوصف تُعَدُّ عقليةً فطرية يشترك البشر –غالبًا- في إدراكها وقبولها، بغض النظر عن أديانهم واتجاهاتهم؛ فالخبر بالسند المنقطع مثلًا تشترك العقول السليمة في الشك فيه أو عدم التسليم به من هذا الوجه، وذلك لعدم وجود الناقِل المتصل بمصْدر الخبر، وإذا لم يتوفر هذا الناقل فكيف يتصور العلم بالخبر؟!. إن العقول البشرية تُفَرِّق بين الخبر من جهة وبين التوقع والظن من جهة أخرى. ومن هنا لا يَرِد التساؤل القائل أي منهج علميّ يستند إليه منهج المحدثين في التثبت من صحة الرواية؟ هل هو ذاك المنهج العلمانيّ المُنْطَلَق أم الإيماني المُنْطَلَق؟ ذلك أن عنصر الإيمان بالغيب في منهجنا لم يتدخل في مقاييس قبول الرواية وردها –من هذه الحيثية- وإن كانت مقاييسنا لا تنافي الإيمان بالغيب بل تُثْبته لكن هذا الجانب من منهج المحدثين متعلِّقٌ بجانب الرواية، وليس بالرأي والاعتقاد وعلْم الغيب.
1 / 13
هل كان نقد المتن – في منهج المحدثين – غير مساوٍ لنقد السند....إلخ؟
...
وانتقل بنا الحال إلى السؤال التالي:
س٣: قال لي:
هل كان نقد المتن – في منهج المحدثين – غير مساوٍ لنقد السند بأن كان عندهم نقد المتن ليس في قوّة نقد السند؛ لأن الأساس عندهم هو الاعتماد على السند أو أن الأمر ليس كذلك؟.
قلت له:
إن المحدثين كي يتعرفوا على ثبوت الرواية من عدمه، لابد أن ينقدوا السند والمتن جميعًا، النقدَ الكافي الذي تتبين به صحة السند، وصحة المتن، أو عدمه، ومن يتتبع منهجهم يستطعْ أن يقول: لا يغلِّبون اختبار السند على اختبار المتن، والسبب في هذا أنهم اشترطوا شروطهم لصحة السند وشروطهم لصحة المتن، ومتى ما تخلف واحد أو أكثر من شروط الصحة انعدمتْ صحة الرواية، سواء أكان ذلك الشرط متعلِّقًا بالسند أم بالمتن.
على أنه يمكن أن يقال إضافة إلى هذا: إن مما
1 / 14
يظهر به قوة العناية بالمتن لديهم أنَّ نقد السند عندهم شرْط لصحة المتن، فيتبين بهذا أنّ نقد السند في منهجهم إنما هو لصالح نقد المتن، وإلا لما احتاجوا إلى النظر في السند أصلًا!.
ومسالك نقد المتن عندهم أسهل من مسالك نقد السند، وبناء على هذا يمكن أن يشاركهم غيرهم في قدرٍ أو مستوىً مِنْ نقْد المتن، بخلاف نقد السند فلا يَقْدر عليه غيرُهم، وإن كانت قواعد النظر في السند عندهم –مع صعوبتها- أكثر اطرادًا، وأوضح في ضوابطها من القواعد الخاصة بالمتن – فيما يبدو لي – والله أعلم.
ولا نستطيع أن نقول في نقد السند والمتن: إنَّ أحدهما هو الأساس بل كلاهما نقده أساس للتعرف على صحة الرواية.
على أن دراسة السند تسبق دراسة المتن"١"،
_________
"١" على أن نقد المتن في الحديث النبوي الشريف، يُعَدُّ أسبق في الوجود من نقد السند، إذ كانت الحاجة في أول الأمر تدعو إلى نقد المتن دون السند فكانت لهم مقاييس معينة في جانب النظر في المتن، بينما لم يتعرضوا لنقد السند لقربهم من المصدر –رسول الله ﷺ فلم يكن بينهم وبينه إسناد وكانوا جميعًا عدولًا. ولعل مما يشهد بأنهم – من حيث التاريخ- نقدوا المتن أوّلًا مثلُ كتاب الزركشي (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة» فيكاد يكون كله في المتن وليس في السند.
(أخذْتُ فكرة أسبقية نقْد المتن من حيث الوجود عن بحثٍ غير منشور لتلميذي المجدّ فتح الدين بيانوني) .
1 / 15
ويتحوّل نقد المتن بدون سند إلى النظر في استقامة معناه في ذاته، ولا علاقة له في هذه الحال بالرواية، أي أنه بدون السند إنما يتعرّف الناقد على صحة معناه واستقامته دون أن يعزوه إلى رسول الله ﷺ مثلًا أو إلى أحد غيره، لأن العزو إنما يكو بواسطة السند، فتكون نتيجة دراسة المتن – في هذه الحال – أن معناه صحيح أو غير صحيح أي مستقيم أو غير مستقيم.
وبهذا الاعتبار يكون السند هو الأساس في معرفة عزو المتن إلى من يروى عنه، في حين أنه – أي السند – لا يكفي وحده لإثبات النسبة أو معرفتها حتى يُنْقد المتن المروي وتتضافر نتائج دراسته مع نتائج دراسة السند في تَثْبيت الرواية أو عدمه.
1 / 16
إِن قولك: لا نستطيع أن نقول في نقد السند والمتن: إن أحدهما هو الأساس.....غير صحيح؟
...
س٤: قال لي:
إِن قولك: لا نستطيع أن نقول في نقد السند والمتن: إن أحدهما هو الأساس، بل كلاهما نقده أساس للتعرف على صحة الرواية "، هذا غير صحيح بدليل السْبق الذي ذكرتَه، فبما أَن نقد السند يَسْبِق فهو دليل على كونه هو الأصل والأساس.
فقلت له:
يكون الأمر كما تقول لو نظروا في السند فقط، ولم ينظروا في المتن أَمَا وقد اشترطوا شروطًا أخرى في المتن، لو اختلت رَدُّوا الرواية – وإن اكتملت الشروط الخاصة بالسند – فهذا دليل على ما أقول.
س٥: قال لي: وهل يهدف المنهج التاريخي إلا إلى إثبات كون الحادثة المعيَّنة حصلت أو لم تحصل؟ أو أن فلانًا قال ما يَنْسبه إليه الناس أوْ لم يقله؟. قلت له:
س٥: قال لي: وهل يهدف المنهج التاريخي إلا إلى إثبات كون الحادثة المعيَّنة حصلت أو لم تحصل؟ أو أن فلانًا قال ما يَنْسبه إليه الناس أوْ لم يقله؟. قلت له:
1 / 17
بلى هذا هو ما يهدف له منهج البحث التاريخي عندهم.
س٦: قال لي: ماذا تعني بنقد المتن؟ أليس المقصود استواء المعنى أو الأسلوب حسب المعيار البشري، وهو معيار ناقص قلت له: لكن تَحْكيم العقل إلى درجة إلغاء حُكْم العقل، لا يَحْكُمُ به العقلُ وليس ذلك من الدِّقة العلمية، وإنما هو من مجانبة الدِّقة العلمية في نظري. وأما مِنْ حيث الواقع التاريخي في منهجهم فإليك بعضَ أقوال العلماء في مَدَى استخدام النقد العقلي لدى المحدثين. يقول الدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي:١ "يبدو للوهلة الأولى أن جهود المحدثين كانت منصبة حول _________ ١ "منهج النقد ... ": ٨١.
س٦: قال لي: ماذا تعني بنقد المتن؟ أليس المقصود استواء المعنى أو الأسلوب حسب المعيار البشري، وهو معيار ناقص قلت له: لكن تَحْكيم العقل إلى درجة إلغاء حُكْم العقل، لا يَحْكُمُ به العقلُ وليس ذلك من الدِّقة العلمية، وإنما هو من مجانبة الدِّقة العلمية في نظري. وأما مِنْ حيث الواقع التاريخي في منهجهم فإليك بعضَ أقوال العلماء في مَدَى استخدام النقد العقلي لدى المحدثين. يقول الدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي:١ "يبدو للوهلة الأولى أن جهود المحدثين كانت منصبة حول _________ ١ "منهج النقد ... ": ٨١.
1 / 18
الأسانيد، وقلّما تكلموا على المتون، أو بمعنى آخر: قلما استعملوا عقولهم في نقد المتون، والأمر على عكس ذلك إذْ ما من عملية نقد لنص إلا وقد استُعمل فيها العقل، لكن ما كان اعتمادهم على العقل فقط في قبول الحديث أو رده إلا في النادر ولا يمكن أن يكون المنهج العلمي في نقد الأحاديث إلا هكذا. إذْ مِن المستحيل استعمال العقل -من الناحية العقلية نفسها- في تقويم كل حديث".
ولله در الشافعي حيث قال"١": "ولا يُسْتدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبِرِ وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث. وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه""٢".
وكيف يحكم المحدثون بالعلة أو الشذوذ في
_________
"١" الرسالة: ص ٣٩٩،
"٢" وانظر قول ابن أبي حاتم الآتي، وكذا قول الخطيب البغدادي.
1 / 19
المتن، أو يعرفون وجودها فيه إلا بعد النظر في المتن ودراسته؟.
يقول د. محمد مصطفى الأعظمي"١": "فالمحدثون ينظرون في نقدهم للحديث إلى ناحيتين أساسيتين هما:
١-البحث في الرواة.
٢-والبحث في المتن من الناحية العقلية إن اقتضى الأمر ذلك، أما بحثهم عن الرواة فيرتكز في زاويتين هامتين، هما:
أ – شخصية حامل الحديث ومستواه الخُلقي وهو ما يُسمى في اصطلاح المحدثين بالعدالة.
ب- وما رَوَى من العِلم ومدى دقته في نقله، وهو ما يسمى في اصطلاح المحدثين بالضبط والإتقان، لأننا نرى النقاد يصرحون أحيانًا بصحة الحديث أو بالأحرى بصحة المتن، وفي الوقت ذاته
_________
"١" منهج النقد عند المحدثين: ص٢٠- ٢١.
1 / 20
يُخْبِرون بعدم معرفتهم عدالة الراوي، إذ لا يكفي لصحة الحديث أن يكون المتن صحيحًا بغض النظر عن سلوك الراوي، سواء كان صادقًا أم كاذبًا، بل لابد أن يكون عدلًا أيضًا".
سئل يحيى بن معين عن حاجب، فقال: "لا أعرفه، وهو صحيح الحديث""١" فإن اختلت العدالة لم تُقبل الرواية. ولو كان ما جاء به من الأحاديث صحيحًا وثابتًا، إذْ ما كانوا يقبلون حديثًا –ولو صحيحًا- إلا من يدٍ نظيفة ورجلٍ عدل، وإذا ثبتت العدالةُ وصحةُ الإسناد ووجدوا مشكلة في قبول الحديث ردوه أيضًا، وقالوا: "صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن".
ويقول د. الأعظمي: "ومن الشروط الأساسية للحديث الصحيح أن لا يكون شاذًا، والشاذ هو: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه أو أكثر عددًا، ولا تعرف المخالفة من الموافقة إلا بمقارنة المتون ومعانيها، ويدل هذا على أن المحدث لا يستطيع أن
_________
"١" عزاه د. الأعظمي إلى: أحمد نور سيف، يحيى بن معين وكتابه التاريخ: ١/١٢٠.
1 / 21
يحكم على حديث بالصحة قبل أن يطمئن إلى عدم شذوذ متنه، الأمر الذي يَفْرِض عليه النظرَ في المتن أيضًا""١".
وقال ابن أبي حاتم: "تُعْرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الحمرة والصفاء عُلِم أنه مغشوش، ويُعْلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الماء والصلابة علم أنه زجاج، ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلامًا يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد مَنْ لم تصح عدالته بروايته. والله أعلم""٢".
قال الخطيب البغدادي: "وإذا روى الثقة المأمون خبرًا متصل الإسناد رُدّ بأمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول، فيُعْلم بطلانه، لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا.
_________
"١" منهج النقد عند المحدثين: ص ٨٣.
"٢" ابن أبي حاتم في: تقْدمة الجرح والتعديل: ص٣٥١.
1 / 22