نزل زربة مع أول قافلة إغاثة شعبية للمتضررين في عدن. ركب سيارة هيلوكس مع أربعة رجال، أحضروا معهم كيسا يقدر بخمسين كيلو من البطاط وعدة سلال من الطماطم والبصل. كان يشاهد في الطريق العديد من عربات الجند الحارقة والدبابات المعطوبة، وجنودا يمشون بثيابهم المتسخة، بعضهم معصوبو الرءوس والأيدي. وصل أطراف منطقة الشيخ عثمان ودهش وهو ينظر الخراب المنتشر في الشوارع، نوافذ مهشمة وأبواب الدكاكين والمخازن مخلوعة، وخرابا متراكما في جولات الشوارع، وبقايا متاريس عدة محطمة تشهد على أن الدفاعات كانت مستميتة. نزل من السيارة قرب فرزة صنعاء، وأسرع إلى حارة الراشدي حيث تسكن سميرة، رأى ركن منزلها الشمالي مهدما، وكذلك المنزل المجاور تضرر كثيرا، فلعن أمراء الحرب على ما سببوه من دمار في الأرض والنفس. أسرع يطرق الباب عدة مرات، فلم يجد أحدا في البيت، ظن أنها نزحت إلى الريف حيث بيت والدها في محافظة أبين. ذهب يقرع باب جارتهم العجوز سمية بقلق شديد. حين فتحت له الباب ظن أنها ستستقبله ببسمتها الحلوة وكلامها المعسول كعادتها، لكنها حين رأته هذه المرة فاجأته بتكشيرة، ينقصها المخالب والأنياب وأخذت تشتمه وتلعنه: دحابشة، كلاب، سرق، دمرتم بلادنا، ما رأينا منكم إلا الخراب، نهبتم بلادنا يا سرق، كنا قبل الوحدة مرتاحين، الله يلعن من باعنا لكم، يستاهل
20
ما جرى له. - يا عمة أين سميرة؟ - روح
21
شوفها
22
في المقبرة هي وأولادها، لعنة الله عليكم يا دحابشة.
أغلقت الباب في وجهه وهي غاضبة. دمعت عينا زربة وذهب إلى الورشة التي يعمل بها فوجدها مغلقة، حمد الله أنها ما زالت سليمة لم تحرق أو تنهب. رأى في الحي بعضا من أصحابه العدنيين، لكنهم لم يتحدثوا معه كأنهم لا يعرفونه وتعاملوا معه كأنه عدو غاز، على الرغم من محبتهم له مسبقا. ذهب إلى ورشة عبده مقبل في الشارع الخلفي من ورشة محمد علي وهو يمسح دموعه وأنفه، ويشتم القتلة. وجدها مغلقة، طرق الباب عدة مرات بقوة. خاف حارس الورشة عبد الفتاح وحمل سلاحه واستعد لإطلاق الرصاص، ظنا منه أن اللصوص سيقتحمون الورشة، وحينما عرف أنه زربة رحب به. جلس زربة صامتا والحارس يتحدث بسعادة لقائه في هذا الظرف المشحون بالكراهية. أخذ يستعيد ذكرياته مع سميرة، التي كانت تحاول أن تخلق منه شخصا متحضرا، تفتخر به أمام صديقاتها، تذكر ذلك اليوم وهو معها وأولادها في شاطئ جولد مور في نزهة لابسا البدلة الأنيقة، حين حاول نزع ربطة العنق عن رقبته شدها بقوة، فكاد أن يختنق فأسرعت سميرة وهي تضحك، تحاول فكها من حول رقبته تقول: يا زربة ... متى شتتمدن يا رجال.
23
ضحك ابنها سالم وقال له: نحن نحبك يا عمي ...
صفحه نامشخص