13
نحن النسوان والرجال في عدن ما نستحيش من بعض.
ولأن زربة لا يسمح لنفسه بخيانة زوجتيه ولا يريد أن يقع في الزنى؛ تزوج سميرة التي لم تكلفه إلا اليسير، بعد أن عرفت ظروفه المادية، وما يتحمله من نفقات أطفاله السبعة، لكنها لم تعرف عن زوجته نادية. سكن زربة معها في منزل زوجها الشهيد، في صباح اليوم التالي أبعدت صورة زوجها من الحائط، لكن زربة لم يوافق على تصرفها؛ فقد رأى أن عملها هذا سيترك جرحا في أطفالها، أكبرهم سالم في الخامسة عشرة من عمره. كان زربة يشتري القات واللحم فتعد هي مائدة شهية لا يجدها عند زوجتيه صفية ونادية. وجدته سميرة يلبي رغبتها في الفراش. اعترفت له أنها لم تجد هذه المتعة مع زوجها السابق، الذي كان له علاقات مع نساء غيرها، وقد كشفته يوما حين عادت من عملها باكرا وهو يخونها مع إحداهن. لم تستطع ردعه، فلم يكن هناك في عدن عقوبة الزنى في ذلك الوقت. كانت حين تستلم راتبها أو راتب زوجها الشهيد، تشتري لزربة أحسن أنواع القات والحلاوة. كانت سمية جارتها العجوز تشاركهم أحيانا جلستهم، تدخن النارجيلة مع سميرة، يراها زربة كوالدته. حدثته سمية عن مشاهدتها لحرب استقلال الجنوب من بريطانيا، وأخبرته أن المرحوم زوجها الأول من شمال الوطن منطقة الأعبوس، كان عضوا في جبهة التحرير. مات إثر الصدامات بين جبهتي التحرير والقومية.
8
عرف الوطواط ذات مساء أن زربة تزوج امرأة عدنية، لم يجرؤ ساعتها على الذهاب إلى بيت صفية ليلا، فانتظر حتى الصباح وذهب باكرا لكنها سبقته بالذهاب إلى الحقول لجلب الحشائش لبقرتها، فبقي ينتظرها في الطريق، وسبب له طول الانتظار حرقة في المعدة. ندبت صفية حظها وشمرت ساعديها في إصلاح حقولها.
ذات يوم اشترى زربة ثلاث حزم قات سامعي؛ ليسهر مع سميرة ليلة الخميس وقدمت هي النارجيلة مع المعسل البحريني الممتاز. في البدء كان يضحك من النارجيلة القزم لتعوده على تدخين مداعة طولها متر ونصف وبوري كبير عليه الكثير من الجمر والتبغ، يبقى لمدة ساعتين، لكنه وجد النارجيلة أفضل من المداعة. في تلك الليلة حدثته عما شاهدته في أحداث الثالث عشر من يناير (1986م) الدامية وعن زوجها الذي كان ضابطا مع قوات علي ناصر محمد. كانت تتحدث وزربة يبكي، ترى ذلك تعاطفا معها، فأحبته أكثر وشكرته على إحساسه النبيل وتعاطفه معها. والحقيقة المضحكة أن زربة لم يكن يبكي مما جرى لزوجها أو لما جرى للمتناحرين على السلطة، فهو يرى أن الذين يتقاتلون على السلطة لصوص وسفاكو دماء أينما كانوا، لكن القات السامعي هو الذي ذكره بذكريات حزينة حدثت له قبل خمس سنوات، ويمكن لهذا النوع من القات أن يؤدي إلى الانتحار أحيانا، إذا كان متعاطيه يشعر بالكآبة مسبقا. تلك الليلة متعته سميرة كثيرا في الفراش على تعاطفه معها، ذهبا معا إلى الفراش وهما يمضغان القات. استلقى زربة على ظهره، فاعتلته سميرة كهرة نشبت أظافرها فيه. ومن هناك راحت تنظر إلى باريس، لندن، موسكو ... ثم عادا يكملان سهرتهما وهما يستمعان لمحمد مرشد ناجي أغنية «على ام سيري على ام سيري» ويستعدان للفراش مرة أخرى ...
كان زربة يتنقل بين صنعاء والقرية ويعود إلى عدن، مقر عمله الأخير. يقارن بين زوجاته الصنعانية والعدنية، والقروية. كان يرى في الصنعانية الحنان والرقة، تجيد طبخ السلتة والملوج والحلبة، ويفتقد هذا الحنان عند زوجتيه العدنية والقروية، وتتميز العدنية ببخورها وطبخ الزربيان والعقدة والسمك، وأصناف الحلوى. أما زوجته صفية فيجلها كثيرا؛ لأنها أم أولاده، لكنه لا يجدها تضاهي العدنية والصنعانية لا في مائدتها ولا في الفراش. كان يخبر سميرة أنه بحاجة إلى بخور حين يسافر إلى القرية، فتعد له بخورا جيدا، ليس حبا بضرتها صفية؛ بل لكي يذكرها هي حين يشم البخور وهو بجوار صفية، لكن زربة كان يأخذه إلى نادية لإعجابها بالبخور العدني، أما صفية فقد اعتاد على رائحتها منذ سبعة عشر عاما.
ذات يوم أخذت سميرة بدلة من بدلات زوجها الشهيد، وقامت بتعديلها على مقاس زربة فلبسها وذهب يقابل أصحابه، كانت هذه أول مرة في حياته يلبس بدلة. كان زربة كلما استخدم شيئا يخص زوجها السابق دعا له بالرحمة: «الله يرحمك يا حيدر، قدمت روحك من أجل الآخرين». وكان عبد المجيد صاحب الورشة يتذمر من زربة حين يحضر إلى العمل ببدلته الأنيقة، ورائحته الزكية، كأنه مدير أو صاحب شركة؛ لهذا توقف زربة عن الذهاب إلى عمله بالبدلة، وحين يسافر إلى القرية لا يرتديها؛ لشعوره أنه لن يكون زربة بدون مئزره وعمامته وثوبه وحزامه الأخضر العريض.
9
كانت سميرة تحدثه عن الوحدة اليمنية التي لم تحقق لهم ما كانوا يحلمون به، وعن اغتيالات كوادر الحزب الاشتراكي، وكيف أن الكثير من التنفيذيين الشماليين تنهب الأراضي في عدن وضواحيها. ذات مساء وهما يمضغان القات قالت له: الناس في الجنوب تشتي الانفصال. - غير معقول، نحن شعب واحد. الوحدة ما لهاش أربع سنين. عاد نحن نريد العرب يتوحدوا. - يا زربة ما شفنا من الدحابشة إلا الهنجمة
صفحه نامشخص