13
بعد الغروب أنصت المجتمعون إلى صوت هرج ومرج في القرية. كان أحدهم يستغيث: عبده غالب الهندي قبصه
38
حنش، اسرعوا، ...
أسرع الرجال لنجدة الهندي، وجدوه في الطريق يصيح من الألم، ويتصبب عرقا، تتسارع أنفاسه، وأهله يبكون حوله، وأمه تنوح بصوت حزين. حملوه إلى بيته يظنونه لا محالة هالكا. عندما وصلوا أسرعت النساء ومعهن زبدة بقرة، قمن بطلي أثر اللدغة على إصبع رجله الكبرى، وأحضرن قطة تلعق أثر اللدغة، لاعتقادهن أن القطط تمتص سم الثعبان وتداوي نفسها بلعق مكان اللدغة. كان الهندي يصيح وهو يقول لمن حوله: سامحوني، أنا شموت، شموت ...
اعترف أنه ضم لأرض والده مسافة بطول متر من حقل عثمان سالم المجاور لأرض والده، وحدد المكان، ونصف متر من أرض ناجي، وكذلك استولى على شجرة صغيرة تخص قاسم سعيد، تقع بين حدودهما. أغمض عينيه والعرق يتصبب من جبينه، ظنوا أنه فارق الحياة فزاد نحيب النساء. اقترب عثمان مجبر الكسور من صدر الهندي فسمع دقات قلبه، وصاح: إنه حي، إنه حي. هيا أحضروا دجاجة كبيرة.
أحضروا دجاجة كبيرة وأدخلوا إصبعه الملدوغة في مؤخرتها؛ لاعتقادهم أنها ستمتص سم الثعبان. مضت نصف ساعة وهم يتساءلون: هل ماتت الدجاجة؟ - لا، لم تمت. - إذا شيموت الهندي.
بقيت إصبعه في مؤخرة الدجاجة حتى الصباح وهي تملأ الغرفة نقنقة. قال صالح والد زربة: دعوني أسم مكان اللدغة وسترون كيف سيشفى، فقد اعتاد معالجة جميع الأمراض بالميسم، حتى الحمى والإسهال. حين اصفرت عينا أخيه قاسم وسمه على رأسه، وحين أصيب منير الابن الخامس لزربة بإسهال وعمره سنتان ونصف، وسمه حول السرة وشفي بعد ثلاثة أيام. وحين أصيبت الطفلة سليمة بنت قاسم بالمسلمة (سرطان جلدي) في الرجل اليمنى، قام بكي مكان الإصابة وحولها بمسامير ساخنة وماتت بعد ذلك، وهكذا كان يسعى لعلاج أغلب الأمراض بالكي.
عاد الأهالي من بيت الهندي إلى بيوتهم وهم يترحمون عليه، ويسامحونه على أفعاله. بعد يومين قام الهندي يمشي كأن شيئا لم يكن، ولم يعرف أحد أن الثعبان غير سام، وبقي الفضل في اعتقاد الناس للقطة والدجاجة. أنكر الهندي اعترافاته السابقة مدعيا بأنه كان يهذي بسبب الحمى.
عاش عبده غالب الهندي طفولته مع أبيه في مدينة عدن وتأثر بجيرانه الهنود. لقبه قاسم بالهندي؛ لأنه كان يتحدث ببعض مفردات اللغة الهندية عندما يبقى في القرية، وشعره كان أيضا يشبه شعر الهنود. كان يضع قبعة صغيرة على رأسه، يميلها قليلا نحو الجهة اليمنى فتغطي ثلثي رأسه. حين كان يمشي في القرية ببدلته الأنيقة وحذائه اللامع يحمل حقيبته الدبلوماسية كالسفير، ولا ينظر لمن يجده أمامه في الطريق. عندما انتقل إلى مدينة الحديدة استمر على حاله. تزوج هناك من ابنة رجل غني فتح له دكانا في حي المطراق، فزاده ذلك فخرا. اعتاد عند عودته إلى القرية أن يحضر معه مفرقعات لإشعالها على سطح داره إعلانا عن وصوله. عاش حياته في رغد من العيش، وما إن أفلس حتى عادت ضحكته الطفولية مع أهالي القرية.
صفحه نامشخص