ثم تناول الربابة يجرب أوتارها، متحاميا نظرات الغضب التي أطلقها عليه سنقر، وراح يعزف مطلعا، لبثت قهوة كرشة تسمعه كل مساء عشرين عاما أو يزيد من حياتها، وأخذ جسمه المهزول يهتز مع الربابة، ثم تنحنح وبصق وبسمل، ثم صاح بصوته الغليظ:
أول ما نبتدي اليوم نصلي على النبي.
نبي عربي صفوة ولد عدنان.
يقول أبو سعدة الزناتي ...
وقاطعه صوت أجش دخل صاحبه القهوة عند ذاك يقول: هس ... ولا كلمة أخرى.
فرفع بصره الذابل عن الربابة فرأى المعلم كرشة، بجسمه الطويل النحيل ووجهه الضارب للسواد وعينيه المظلمتين النائمتين، فنظر إليه واجما. وتردد قليلا كأنه لا يصدق ما سمعت أذناه. وأراد أن يتجاهل شره، فاستدرك منشدا:
يقول أبو سعدة الزناتي ...
ولكن المعلم صاح به مغيظا محنقا: بالقوة تنشد؟! ... انتهى ... انتهى! ألم أنذرك من أسبوع مضى؟!
فلاح الاستياء في وجه الشاعر، وقال بلهجة ملؤها العتاب: أراك تكثر من «الكيف»، ثم لا تجد من ضحية سواي!
فصاح المعلم في غضب وحنق: رأسي صاح يا مخرف، وأنا أعلم ما أريد، أتحسب أني آذن لك بالإنشاد في قهوتي إذا ما سلقتني بلسانك القذر؟!
صفحه نامشخص