أنت التي قطعت المسافات الشاسعات ببسالة باسمة، وملأت وحشة البحار الواسعات بزفرات الإنسان وأصواته، أنت الآملة بكل شيء لأنك يائسة من كل شيء، أيتها المرأة المتنمرة، كيف لم تجيبي على صواعق الإنسان بصواعقك المنتقمة؟
ألا تذكرين يوم غادرت العالم الجديد تحملين للأجسام طعاما، وتنقلين للنفوس غذاء، وتمثال الحرية يحييك بقبسه المحيي ويتمنى لك سفرا سعيدا؟ يوم شيعتك أنظار وقلوب وقد أودعتك أموالا وأسرارا وأرواحا غاليات، ألا تذكرين؟ كيف لم تصوني وديعتك سائرة بها إلى مرفأ الأمان سالمة؟ كيف لم تحرصي على ما ضممت إلى قلبك، أيتها العاشقة الصامتة؟
لوزيتانيا! لوزيتانيا! لقد ذقت رعشة الموت، يا ضحية الحياة! وعرفت معنى الأبدية، يا أثر الفكر الزمني!
في أحضان المياه الدامسة حيث لا شموس ولا كواكب ولا أقمار، حيث يتموج من العناصر الاسوداد والاخضرار، حيث لا كلام سوى دمدمة العواصف الهائجة على صفحة الماء، ولا صوت غير صدى الصواعق المنبثقة من جبين الأفق لتخترق وجنة الغبراء؛ حيث تمر أفكار البشر على الأسلاك البحرية صامتة؛ حيث لا أنين ولا نواح ولا إنشاد، في أحضان المياه الغدافية،
1
في الهاوية المرعبة هناك تندثرين، تندثرين في كهوف نبتون السائلة، وفيها متلاشية تقطنين. هناك تحتضنين وديعتك التي لم تستطيعي صيانتها في الحياة، فتكونين في الردى لها من الصائنين.
هل من دمعة تصل إليك مخترقة مياه البحار؟ هل من قبلة تهبط نحوك مداعبة ما لديك من الأسرار؟ لكن قد كفنك السكوت الدائم والجمود المتحرك الذي لا قبلات لديه، ولا دعابة، ولا عبرات.
لوزيتانيا! لوزيتانيا!
سوف ينتقم لك البشر من البشر، سوف يقيم التاريخ لك ولأخواتك جميل الآثار، سوف تنظم لك الأناشيد، ويعزف لذكرك طروب الآلات.
وإذا سئلت في أعماق الهاوية عن الإنسان الذي أبدعك واستخدمك قولي إنه ما زال كبير المطامع، موفور الغرور، إنه في غروره قد أحبك وبكاك، وإذا سألتك روح الهاوية مذهولة: إذن كيف فتك بك؟ أجيبي بما يقولونه في ربوعنا من أن الذي قضى عليك ليس التحالف الملقب بالإنساني، بل المبطاش المنعوت بالجرماني ...
صفحه نامشخص