والاستبداد يفقد الثبات في الخلق، فقد يكون الرجل شجاعا كريما، فيصبح بعوامل الاستبداد جبانا بخيلا، ولا أخلاق ما لم تكن ثابتة مطردة!
وأقل ما يؤثر الاستبداد في أخلاق الناس أنه يرغم الأخيار منهم على ألفة الرياء والنفاق، ويعين الأشرار على فجورهم، آمنين حتى من الانتقاد والفضيحة، لأن أكثر أعمالهم تظل مستورة، لا يجرؤ الناس على قول الحق أمامهم خوف العقبى.
وأقوى ضابط للأخلاق النهي عن المنكر بالنصيحة والتوبيخ وما إلى ذلك، وهو عهد الاستبداد غير مقدور لغير ذوي المتعة، وقليل ما هم، ويصبح الوعظ والإرشاد ملقا ورياء.
في الحكومات التي نجت من الاستبداد أطلقت حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات، ورئي أن الفوضى في ذلك خير من تحديد الحرية، لأنه متى وضعت القيود نفذ منها الحكام، وتوسعوا فيها حتى خلقوا منها سلسلة من حديد يخنقون بها الحرية.
والاستبداد يفقد الناس ثقة بعضهم ببعض، ويحل الخوف محل الثقة، فيقل التعاون بين الأفراد، والتعاون حياة الأمم.
والأنبياء سلكوا في تكوين الأخلاق مسلكا خاصا، فبدءوا بفك العقول من تعظيم غير الله، وذلك بتقوية الإيمان المفطور عليه الإنسان، ثم جهدوا في تنوير العقول بمبادئ الحكمة وتعريف الإنسان كيف يملك إرادته وحريته في أفكاره، وبذلك هدموا حصون الاستبداد. ثم أبانوا أنه مكلف بقانون الإنسانية، واتباع المبادئ التي ترقيه وترقي جنسه - وكذلك فعل السياسيون الأقدمون من الحكماء.
أما الغربيون المحدثون فوضعوا الأخلاق غير مرتكزة على الدين، ولكن على ما أودع فطرة الإنسان من ضمير وحب نظام، وساعدهم على ذلك انتشار العلم عندهم والرغبة في التقدم، واستعانوا على ذلك بالوطنية.
ثم عرض للاستبداد والتربية - والتربية تنمية الاستعداد جسما ونفسا وعقلا وهي قادرة أن تبلغ بالإنسان أعلى حد من الرقي لو صلحت.
والحكومة العادلة تعني بتربية الأمة من وقت تكون الجنين، بل قبله، بسن قوانين للزواج الصالح، ثم بالعناية بالقابلات والأطباء، ثم بفتح بيوت اللقطاء ثم بإنشاء المكاتب والمدارس وتنظيم خططها متدرجة إلى أعلى مرتبة؛ ثم تسهيل الاجتماعات، والإشراف على المسارح، ثم تشجيع النوادي وإنشاء المكتبات، وإعلان شأن النوابغ بإقامة النصب ونحوها، ثم بتنمية المشاعر القوية بشتى أنواعها وتيسير الأعمال وغير ذلك.
أما الحياة في الحكومات المستبدة فمجرد نماء يشبه نماء الأشجار الطبيعية في الغابات والحرجات،
صفحه نامشخص