217

( ولا تسئل ) أي : لا نسألك ( عن أصحاب الجحيم ) ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت وبذلت جهدك في دعوتهم ، كقوله : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) (1).

وقرأ نافع ويعقوب : لا تسأل ، على أنه نهي عن السؤال عن حالهم ، تعظيما لعقوبة الكفار ، كأنها لفظاعتها لا تقدر أن تخبر عنها ، أو السامع لا يصبر على استماع خبرها ، بل يجزع غاية الجزع ، فنهاه عن السؤال. والجحيم : المتأجج من النار.

وكأن اليهود قالوا : لن نرضى عنك وإن طلبت رضانا جهدك حتى تتبع ملتنا ، فحكى الله كلامهم بقوله : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) مبالغة في إقناط الرسول عليه الصلاة والسلام عن إسلامهم ، فإنهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته؟! ( قل ) جوابا لهم عن قولهم ( إن هدى الله ) يعني : إن هدى الله الذي هو الإسلام ( هو الهدى ) إلى الحق ، وهو الذي يصح أن يسمى هدى ، لا ما تدعون إليه.

( ولئن اتبعت أهواءهم ) أي : آراءهم الزائغة والبدع المضلة. والفرق بين الملة والهوى : أن الملة ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان أنبيائه ، من «أمللت الكتاب» إذا أمليته ، والهوى رأي يتبع الشهوة. يعني : لو اتبعت شهواتهم المردية ( بعد الذي جاءك من العلم ) أي : الوحي ، أو الدين المعلوم صحته بالدلائل والبراهين ( ما لك من الله من ولي ولا نصير ) يدفع عنك عقابه. وهو جواب «لئن». وهذا على سبيل الفرض ، لأنه تعالى علم أن نبيه لا يتبع أهواءهم ، فجرى مجرى قوله : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) (2).

( الذين آتيناهم الكتاب ) يريد : مؤمني أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام ،

صفحه ۲۲۲