زیر سالم: ابو لیلا مهلهل
الزير سالم: أبو ليلى المهلهل
ژانرها
فيلاحظ أنه في حال صحة تسمية يقظان - الخادم المقرب أو رسول الأمير جساس - رأس العرب البكريين تكون العجوز البسوس قد نفذت إلى قصره وإلى بث عيونها وبني قومها في أقرب «أجهزة» جساس، وهذا هو الأرجح؛ ذلك أن الرسول أبو يقظان أو يقظان ما إن تسلم رسالة جساس إلى كليب حتى مر على العجوز البسوس وأخبرها بما حدث، فلاطفته بالكلام وقدمت له الطعام، ثم أخذت تسقيه المدام حتى سكر وغاب عن الصواب، ثم سرقت الخطاب وقرأته ومزقته لخلوه من التهديد والوعيد، وأضافت إليه كلاما مليئا بالشتائم والتهديد، ودسته في جيب الرسول بدلا من سابقه وهو ثمل نائم:
أمير كليب يا كلب الأعارب
أيا ابن العم لا تكبر عليه
فلازم أذبحك بحد سيفي
وأنت شبيه حرمة أجنبية
وواضح أنه شعر دخيل ملفق، إضافة راو - ويرجح راوية - دون مستوى الشعر الملحمي وشعر البطولة والمراثي والمعلقات عالية القيمة التي تتسم بها هذه السيرة الملحمة - التي يتعاقب فيها الشعر والنثر - العربية.
كما أن هذه المكيدة البسوسية الأخيرة تبدو دخيلة؛ ذلك أنها ترد بكثرة في الحكايات العائلية لقصص الحب والعشق والزواج الشعبية، وأقيمت إحدى فابيولات نصوص المسرح الفولكلوري المرتجل أو مسرح الفلاحين، كما سبق لي جمعه ونشره بأهرام عام 1964م، وهو نص «القائد الأعمى» الذي كانت تخونه زوجته، وحين تلقت منه خطابا موجها إلى الملك يفيد انتصاره في إحدى حروبه، أضافت إليه ما يفيد بأن زوجها الملك سيعود إليها منتصرا فيقتل ملك البلاد، ويصبح ملكا بدله، ودفعت بالخطاب إلى الملك الذي ما إن استقبله حتى «خزق» عيني قائده المخلص، وأحاله إلى أعمى، كما يذكرنا استبدال الخطاب بخطاب كلوديوس إلى ملك إنجلترا الذي يطالبه فيه بالتخلص من هاملت بقتله، وعبر البحر سرقه هاملت من حارسيه: «روزنكرانتز وجيلد لنستون» واستبدله بعكسه - أي بقتل الرسولين.
وبحسب نظرية التوالد الذاتي للموضوعات القصصية الأنثروبولوجية التي توصل إليها آثر تيلور وتلميذه «أندرو لانج»، فإن مثل هذا الأمر في اجتذاب جسد سيرة كهذه - الزير سالم - لعديد من التضمينات والمأثورات المهاجرة - ذاتيا وخارجيا - أمر ممكن وشائع بكثرة في هذه السيرة الملحمة، وبعامة سيرنا العربية.
المهم هنا أن العجوز الساحرة المنتقمة حققت خطتها في الإيقاع بين أبناء القبيلة أو البيت الواحد بمثل ما توعدت ساحرة طروادة - كاسانديرا - بيت آتريوس، بل وتنبؤها بوقوع حرب طروادة ذاتها قبل أن تقع.
فما إن أفاق الرسول أبو يقظان من سكره، حتى طار إلى قصر الملك كليب بدمشق، فدخل عليه وأعطاه المكتوب المسموم الذي سبق للبسوس استبداله.
صفحه نامشخص