============================================================
والإسماعيليون لم يكونوا فئة واحدة لا تتغير، بل عرف المذهب تغيرات هائلة عبر العصور، كمثل أي مذهب آخر، وكذلك عبر الأماكن المختلفة التي ظهر فيها. بل يصح القول إن الإسماعيلية كانت "إسماعيليات" كثيرة ، تختلف فيما بينها كما ر أينا ، وإن كانت تلتقي في إطار الإيمان العام بإمامة محمد بن إسماعيل فيما يتعلق بعلاقة الإسماعيليين باللغة العربية ، يقدم أتباع المدرسة الخراسانية مثالا نادرا على الاهتمام والعناية باللغة . فقد كتب هؤلاء جميع أعمالهم باللغة العربية بدون استثناء. ويشكل هنا كتاب "الزينة" وحده مثالا بارزا على مقدار التقدير الذي يوليه هؤلاء للغة العربية. فأبو حاتم الرازي لا يكتفي بتقديس اللغة ال العربية بوصفها لغة القرآن الكريم وحسب، بل يقدم أيضا شواهد تاريخية مستمدة من الأدب العربي قبل الإسلام على أفضلية اللغة العربية على جميع اللغات المعروفة في عصره. ويصل به تقديس اللغة العربية واحترامه الأدب العربي إلى م شارف العنصرية . على أن كل هذا التقدير الذي يوليه للعربية أمر متوقع من باحث درس في حلقات المبرد وثعلب والسكري، وأكب على أعمال الفراهيدي وسيبويه وأبي عبيدة وأبي عبيد وابن قتيبة وغيرهم من كبار علماء اللغة.
على أننا يجب أن نحترس من التوغل في تطرف مضاد ممائل. فموقف الإسماعيلية من اللغة العربية لم يكن دائما بهذا الصفاء. فمع ارتفاع نجم ابن عطاش والحسن بن الصباح، صارت اللغة الفارسية هي الأداة الأيديولوجية توصيل الأدب الإسماعيلي . ومنذ ذلك الحين ، بدأت تضعف علاقة الإسماعيليين بالغة العربية. والأخطر من ذلك هو عمليات التحرير وإعادة النظر في الأدب الإسماعيلي السابق، بهدف التوصل إلى صيغة معيارية جامعة لأشتات المذاهب ال الإسماعيلية المتعددة، منذ محاولة الكرماني تثبيت "انسخة معيارية" من الإسماعيلية كما رأينا . وقد تطلبت إعادات التحرير المتكررة من الإسماعيليين إعادة النظر في الأعمال السابقة لتعديلها حذفا أو إضافة . ولما كانت هذه التعديلات تجري على أيدي أناس علاقتهم ضعيفة باللغة العربية فقد كانت اللغة هي الضحية الأولى في عمليات إعادة التحرير بهدف التوصل إلى لاصيغة معيارية" من الإسماعيلية .
صفحه ۵۴