============================================================
ويقال للعبد "مؤمن"، وهو هاهنا من التصديق. قال الله عز وجل (وما أنت بمؤمن لنا [يوسف: 17]. قال أبو عبيدة: وما أنت بمصدق لنا، ولا بمقر أنه صدق(1). ويقال: ما أؤمن بشيء مما تقول، أي ما أصدق به. فالإيمان من العبد هو التصديق بما أتى به الرسول صلى الله عليه وآله. فإذا صدق به، أطاع أمره، نجزا لما وعده، ويقينا به. فيكون ذلك تصديقا لقوله. فيقال للعبد: قد آمن باله ورسوله، أي صدق الله، وصدق(2) رسوله بما ألقي إليه من الوعد والوعيد. فإذا امن بذلك، أمنه الله، وصار في أمانه. قال الله عز وجل الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون [الأنعام: 82].
فقيل لله عز وجل "مؤمن"، وللعبد "مؤمن"، لأن الأمان بين الله وبين عبده.
و إنما قيل للمصدق "مؤمن" لأنه لما صدقه استسلم له، وأمن من كان على مثل تصديقه، فلم يستحل ماله ودمه وعرضه، فأمنه من كان على مثل تصديقه. فيكون المؤمنون بعضهم في أمان بعض، وقد أعطى بعضهم بعضا الأمان. من ذلك قول ر سول الله صلى الله عليه وآله حين سئل، فقيل له: من المؤمن؟ فقال: "من أمن جاره بوائقه"(3). فأصل الإيمان من الأمان. ويقال للعبد: آمن، يؤمن، فهو مؤمن، على ظاهر اللفظ، كما قال المفسرون: صدق، فهو مصدق. وهو راجع في الحقيقة إلى ما قلنا من معنى الأمان. ولا يقال في صفة الله عز وجل: آمن فهو مؤمن، فيكون على وجه التصديق في نعته، لا يتصرف، إجلالا لله(4) عن أن شبه صفته صفة العبد. فأما على وجه الأمان فهو جائز. وإذا تكلم به في صفة العبد وصرف، أدخلت فيه اللام الزائدة والباء الزائدة، فيقال: أمن لله، وأمن بالله. قال الله عز وجل (وما أنت بمؤمن لنا) [يوسف: 17]، وقال (امنوا اباله ورسوله) [الأعراف: 158]، لأنه يرجع إلى معنى التصديق. وإذا تكلم به في صفة الله، لم تدخل فيه اللام والباء. يقال: أمنه، لأنه يراد به معنى الأمان، كما (1) أبو عبيدة: مجاز القرآن 303/1 .
(2) في هذا الموضع يوجد تكرار في ب.
(3) صحيح البخاري (6016).
(4) في م : أجل الإله أن.
صفحه ۲۱۷