تأملت نشأة أو مقر رجال النهضة الشعرية بمصر في القرن الحاضر، فرأيت لبعض المدن حظا كثيرا وأكثرها عديم الحظ، وأظهر الأمثال حظ القاهرة بشوقي ومطران وحافظ والعقاد، وطنطا بالرافعي. فيحق لنا معشر السويسيين أن نهنئ أنفسنا والأدب بإقامة مثل الدكتور أبي شادي بيننا، عرفته منذ سنوات بآثاره: آثار طفولته الأدبية التي لم تخل مع ذلك من نفسية عالية، ثم ببدائعه في كبريات الصحف والمجلات، وبما تفضل به أخيرا على جريدتي «السويس الناهضة»، فشاقتني قصائده الطلية على تنوع موضوعاتها، وإنما أسفت لأنه قليل العناية بآثاره الأدبية، ولا سيما شعره الغنائي الذي لا أشك في أنه نظمه وينظمه سلوى فؤاده وحده، فتبعثرت هذه النفحات الزكية تبعثر الرياحين، وتعرضت للنهب والضياع. فدفعني هذا الشعور والأسف إلى استئذانه في جمع وطبع شيء من هذه النخب الجميلة لشعر صباه، راجيا أن أوفق في الطبعة الثانية إلى الاستزادة منه خدمة للأدب، فحرام أن تضيع أمثال هذه اللآلئ السنية المتساقطة من فم قائلها الشجي المترنم، وهو الذي وصفه نادرة العصر في النظم والنثر خليل بك مطران بقوله:
ضن به الدهر وما
أضنه بمثله
بعالم كعلمه
له اتساع عقله
ومخلص إخلاصه
في نقده ونقله
ومبرئ للروح قب
ل الجسم في معتله
وقاطف أعذب شهد
صفحه نامشخص