وقبل مقتل أبى مسلم حدث أن أبا جعفر أرسل إليه يقطين 38، وقال له: لقد أرسلنى أبو جعفر حتى أرى هل هذه الأموال تكفى الرعية أم لا؟ وفهم أبو مسلم أن ليس الأمر كما يقول، فسلك طريق خراسان ليخالف المنصور، حتى وصل إلى حلوان فنزل فيها. فأرسل المنصور جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلى، وكان جرير هذا داهية الدهاة مكارا ولم يكن له فى هذا مثيل، فتلا عليه السحر والخدع حتى أعاده إلى المنصور.
ويقولون: إنه حينما قدم أبو مسلم من حلوان مع جرير البجلى إلى أبى جعفر طلب أبو مسلم جوادا لم يكن هناك أحسن منه فى حظيرته، وامتطى صهوته، ورغب أن يذهب إلى المنصور فكبا فرسه من تحته ثلاث مرات، فقال له أحد أصدقائه:
ارجع، فقال أبو مسلم: سيكون ما يريده الله تعالى.
ولما قدم إلى المنصور أجلسه وأحسن سؤاله، ثم قال له: بأى حسام حاربت وفتحت الفتوحات؟ فقال أبو مسلم: بهذا، وأشار إلى السيف الذى كان فى خاصرته، فقال المنصور: أعطنى إياه، فأعطاه إياه، ثم قال المنصور: أتعلم ماذا فعلت معى؟
فعلت كذا وكذا، وعدها واحدة واحدة، وكان أبو مسلم يجيب على كل واحدة حتى غضب المنصور وتكدر وصاح فيه.
فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين، ليس هذا جزاء ما فعلت من الإحسان. فقال له المنصور: يا أبا مجرم، أتذكر أنك قدمت إلى أبى العباس وخدمته، وكنت جالسا هناك فلم تلتفت إلى؟! وهل تذكر أنك قلت لابن أخى عيسى بن موسى: هل تحب أن أخلع أبا جعفر وأوليك؟! وهل تذكر أنك سببتنى فى الشام أمام يقطين بن موسى؛ وقلت عنى: ابن سلامة، وهل سلامة كانت أقل من أمك؟! وكان أبو مسلم يجيب عن كل واحدة. ثم قال المنصور: إنك لم تفعل هذا محبة فينا، ولكنه كان ترتيب السماء وعناية الله التى حالفت دولتنا؛ ثم أشار المنصور إلى الحارس الذى يقف بجوار أبى مسلم، فضرب أبا مسلم بالسيف، فسقط صائحا" آه، آه": فقال المنصور: أتصيح صياح الأطفال يا من فعلت فعال الجبابرة؟!
صفحه ۱۸۴