وقدم هو إلى هرات لحرب عمرو بن الليث، وحاصر هرات على عمرو فى سنة سبع وستين ومائتين، ولم يستطع أن يفعل شيئا. ومن هناك قصد سيستان، ولما وصل إلى " رمل سم" أحكم الحصار على شادان بن مسرور والأصرم 82، ثم شغل قلب الخجستانى فرجع إلى نيشاپور، وقتل قوما كثيرا.
وأصبح قلب عمر فارغا وضبط شئون ولاية خراسان على أكمل وأتم وجه، ورسم سياسة لم ينتهجها أحد قبله مطلقا.
ويقولون: إن عمرو بن الليث كان يملك أربع خزائن، واحدة للسلاح، وثلاثة للمال، وكانت الخزائن دائما تلازمه؛ الأولى: خزينة المال والصدقات والجزية وما شابه ذلك، وكانت تصرف فى رواتب الجند؛ والأخرى: خزينة المال الخاص، وكانت تجمع من الغلال والضياع، وتصرف فى أوجه النفقات والمطبخ وما يماثل ذلك؛ والثالثة: قد جمع دخلها من أرض الموات ومصادرات الحشم الذين كانوا يتعاونون مع العدو، وكانت تنفق فى الصلات والعطايا للحشم وعلى الجواسيس والرسل وما شابه ذلك.
وكان عمرو بن الليث كثير الاجتهاد فى أمور الحشم والجيش، وكان يأمر لهم كل ثلاثة أشهر بالصلات والعطايا، وكان شديد الذكاء، فكان يتحين الوقت المناسب للمصادرة ويلتمس الأعذار حتى يأخذ المال من مالكه، ويقولون: إن محمد بن بشر قدم ذات يوم إلى عمر ولم تبق أموال فى خزينة الصلات، واقترب وقت صلات الحشم، وكان فى حاجة إلى المال، فاتجه عمرو ناحية محمد بن بشر وأخذ فى عتابه فقال: أتعلم ماذا فعلت؟ فعلت لى كذا وكذا، وقال كل شى ء، فعرف محمد مقصوده فقال: أيد الله الأمير، كل ما لدى من مال سواء من الغلمان والرقيق والذهب والفضة يزيد على خمسين بدرة من الدراهم، فخذ هذه الأموال منى دون اختلاق للأسباب، واعفنى من هذا العتاب والتهديد، فقال عمرو: لم أر شخصا أكثر ذكاء من هذا مطلقا، وقال لمحمد: اذهب وأودع هذا المال فى الخزينة، ولا حرج عليك مطلقا، فأودعه محمد بن بشر، وأمن الكثير من إيلام الأصدقاء وضررهم ومنتهم.
صفحه ۲۰۵