2. فالذي يظهر أن المعتزلة بعد مقتلهم بين يدي الإمام إبراهيم بن عبدالله تغير منهجهم من الخروج والثورة. ربما لقناعتهم أن الدولة العباسية بلغت بعد القضاء على حركة النفس الزكية وأخيه إبراهيم من القوة مبلغا لا يمكن معه الوقوف أمامهم. وبالتالي فإنه لا يجب الخروج عليهم، لأن الخروج لا يكون واجبا ما لم يظن الغلبة. أيضا ربما لرأيهم أن العمل العلمي أجدى وأنفع. ولذلك فلو تتبعنا أعلام المعتزلة من القرن الثاني حتى أول الرابع، لما وجدنا واحدا منهم ممن خرج أو ثار. وقد كانوا على فريقين: فريق يجوز التعاون مع السلطان نحو: بشر بن المعتمر(210ه) الذي كان مقربا من المأمون، وثمامة بن أشرس(213ه) وكان مستشارا للمأمون،وهشام الفوطي(221ه) الذي كان المأمون يجله، ويوسف الشحام(267ه) كان صاحب وظيفة في الدولة. وفريق يتشدد في العمل مع السلطة نحو: عيسى المردار راهب المعتزلة ، وكان يتشدد في الاختلاط مع السلطان (220ه)، وجعفر بن مبشر الثقفي (234ه) كان زاهدا، تتلمذ على عيسى المردار، وكان مبتعدا عن السلاطين، وجعفر بن حرب (236ه) الذي كان له عمل كبير في الدولة قبل أن يصبح من علماء الكلام، ثم ترك الدولة، وابتعد عنها. ويلاحظ أن السمة العامة لمن كان يتجنب السلاطين هم المعتزلة المتشيعة، أي البغدادية منهم. ولعل من أجاز الاختلاط بهم كان من باب معاونتهم على الحق. وقد يكون عدم قيام أي من أعلامهم بأي عمل ثوري يعود إلى رأي لعمرو بن عبيد (144ه)، فينقل عنه ما يدل على أن له رأيا خاصا في الخروج على الولاة، بعضهم يقول: إنه لا يجيز الخروج حتى يتوفر له عدة أهل بدر ممن هم مثله دينا، ولذلك قال أبو جعفر الدوانيقي في شأن المعتزلة الذين قاتلوه: ما خرجت المعتزلة علينا حتى مات عمرو بن عبيد. وفي تصوري فإن المعتزلة الذين خرجوا كان لهم رأي مختلف في الخروج، ولعله رأي يعود إلى واصل بن عطاء (131ه) الذي كان يرى الخروج كما تدل عليه الروايات. كما أتصور أنهم كانوا خارجين حتى لو لم يمت عمرو بن عبيد. يدل عليه أن من خرج كان من العلم والشأن بمكان يمنع من أن تكون علاقتهم بعمرو علاقة طاعة. ومهما كان الأمر، فإن غياب ذكر أعلام أهل البيت بعد ثورة النفس الزكية يدل على أن المعتزلة في مرحلة ما ارتأت أن تقطع اتصالها السياسي بأهل البيت. وأما ذكرهم لمن كان قبل ذلك، فقد لا يكون أزيد من ذكرهم لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي في الطبقة الأولى من طبقات المعتزلة، وإنما ذكروا أولئك باعتبار أنهم يقولون بالتوحيد والعدل.
3. إضافة إلى ما سبق حول العلاقة بين المعتزلة والزيدية بعد ثورة النفس الزكية، فإن هناك ما يدل على أن واصلا بن عطاء كان ذا توجه سياسي مستقل عن الإمام زيد بن علي. ذلك أن واصل كان يرسل رجالا إلى مناطق كان للإمام زيد
فيها رجال.
4. وأما ما ينقل من أن الإمام الهادي يحيى بن الحسين أخذ أصول دينه عن أبي القاسم البلخي (319ه)، فكان الأولى القول بأنه أخذها عن أبيه العالم المحدث، الذي أخذها عن أبيه القاسم بن إبراهيم نجم أهل بيته في زمانه، والذي تدل مؤلفاته الكلامية أنه بلغ غاية العلم. وإذا صحت التقديرات أن البلخي كان في الستينات من عمره حين توفي، فإن أخذ الهادي عنه أبعد.
صفحه ۹۲