ولا نجدهم ذكروا لأبي الدرداء، وأبي ذر، وبلال، مثل الذي ذكروا له في باب الغناء والذب، وبذل النفس. ولم نجدهم ذكروا للزبير، وابن عفراء وأبي دجانة، والبراء بن مالك، مثل الذي ذكروا له من التقدم في الإسلام، والزهد، والفقه. ولم نجدهم ذكروا لأبي بكر وزيد، وخباب، مثل الذي ذكروا له من بذل النفس والغناء، والذب بالسيف، ولا ذكروهم في طبقة الفقهاء والزهاد.
فلما رأينا هذه الأمور مجتمعة فيه، متفرقة في غيره من أصحاب هذه المراتب وهذه الطبقات، علمنا أنه أفضلهم، وإن كان كل رجل منهم قد أخذ من كل خير بنصيب فإنه لن يبلغ ذلك مبلغ من قد اجتمع له جميع الخير وصنوفه.
فصل منه
وضرب آخر من الناس همج هامج، ورعاع منتشر، لا نظام لهم، ولا اختبار عندهم، أعراب أجلاف، وأشباه الأعراب. يفترقون حيث يفترقون، ويجتمعون حيث يجتمعون؛ لا تدفع صولتهم إذا هاجوا، ولا يؤمن هيجانهم إذا سكنوا. إن أخصبوا طغوا في البلاد، وإن أجدبوا آثروا العناد.
ثم هم موكلون ببغض القادة، وأهل الثراء والنعمة، يتمنون النكبة، ويشتمون بالعثرة، ويسرون بالجولة، ويترقبون الدائرة.
وهم كما وصفوا الطغام والسفلة.
صفحه ۳۱۴