ظاهرة مد و جزر بحار
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
ژانرها
118
ثم يعود لنظرية الكندي في تسخين أشعة القمر للبحار والتسبب في ظاهرة المد والجزر، حيث قال: «والمد كله واحد وهو أن القمر يقابل الماء كما تقابل الشمس الأرض، فنور القمر إذا قابل كرة الأرض سخنها كما تسخن الشمس الهواء المحيط فيعتري الهواء المحيط بالماء بعض تسخين يذيب الماء، فيفيض وينمو بخاصته كالمرآة المحرقة الملهبة للجو حتى تحرق القطنة الموضوعة بين المرآة والشمس. فهذا مثاله في المقابلة ومثاله في المسرار كون الزجاجة المملوءة ما يلقى الشعاع إلى حلقها، فتحترق القطنة أيضا. فالقمر جسم نوري باكتسابه ذلك من الشمس. فإذا حال بين الشمس والأرض خرج عن جانبي الماء شعاع نافذ يمر مع جنبي الماء فيسخن ما قابله فينمو.»
119
وقد ضرب - من باب تبسيط الفكرة - مثالا على أن النور الذي يخرج من المصباح يسخن المنطقة المقابلة له الهواء، وهذا ما يفعله القمر بالمنطقة المقابلة له من البحار، فكلما زادت كمية الشعاع الواصلة لقاع البحر، زاد مقدار المد.
قال المقريزي: «والماء جسم شفاف عن جانبيه يخرج الشعاع كما يخرج عن جانبي الزجاجة، فيحدث لها نور يسخن الهواء الذي يحيط بالزجاجة أو بالأرض، فيقترف الماء شبه تسخين ينمو به ويزيد وذلك قبالة القرص، وقبالة مخرج الشعاع من قبالة وتد القمر، فهذا هو المد دائما، ويستدير باستدارة الفلك، وتدويره لفلك القمر وتدوير فلك القمر للقمر. والمد الشهري هو أن يقابل القمر الشمس أو يستتر تحتها؛ لأنه ليس إلا كون القمر قبالة الشمس لكونه في تربيع الشمس أضعف وفي المقابلة أقوى، وكذلك إذا قابلها على وسط كرة الأرض بحيث تكون الحركة أشد، والاكتناف للماء والأرض أعم فذلك هو المد السنوي.»
120
ومع انضمام أشعة الشمس والكواكب لأشعة القمر يصبح المد أعظميا. وقد خلص المقريزي إلى السبب الرئيس في الزيادة الحاصلة في نهر النيل؛ هو مد البحر الذي يتصل به.
قال المقريزي: «والسبب في عظم المد والجزر كثرة الأشعة. فإذا زاحمت الشمس والقمر، الكواكب السيارة عظم فيض البحر، وإذا عظم فيض البحر فاضت الأنهار، وكذلك إذا نهض القمر لمقابلة أحد السيارة ارتفع البخار، وصعد إلى كورة الزمهرير، ونزل المطر فإذا فارق القمر الكواكب ارتفع المطر لكثرة التحليل. كما يكون في نصف النهار عند توسط الشمس لرءوس الخلق، وكما يكون عند حلول الكواكب الكبيرة على وسط خط أرين، والله تعالى أعلم بالصواب. قال مؤلفه رحمه الله تعالى: الذي تحصل من هذا القول أن النيل مخرجه من جبل القمر. وأن زيادته إنما هي من فيض البحر عند المد فأما كون مخرجه من جبل القمر فمسلم؛ إذ لا نزاع في ذلك. وأما كون زيادته لا تكون إلا من ردع البحر له بما حصل فيه من المد فليس كذلك.»
121
نشير أخيرا إلى أن زين العابدين محمد بن أحمد بن إياس (توفي 930ه/1523م) اقتبس النص الذي أورده المقريزي بالكامل.
صفحه نامشخص