رهبر شورشی احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
ژانرها
ولم يوافق النواب عامة على عقد المجلس بصفة رسمية، لعدم مشروعية الاجتماع غير العادي إلا بأمر من الخديو، كما تقضي بذلك المادة 9 من الدستور ... وتعددت مع ذلك اجتماعاتهم غير الرسمية، ووقف النواب من أمر هذا الخلاف موقف الاستقلال والاعتدال، فلم يعتبروا أنفسهم آلات صماء في يد الحزب الغالب، ولم يذعنوا لإرادة المسيطرين على هذا الحزب، بل تدبروا الأمر بوحي من إرادتهم، فبرهنوا على استقلال يحمدون عليه، وكانوا لخلفائهم مثلا صالحا في الاضطلاع بأعباء النيابة، وتقدير الأمانة التي في عهدتهم.
وقد سوي الخلاف مؤقتا بين الوزارة والخديو، ببقاء الوزارة في مركزها مع تعديل حكم المجلس العسكري طبقا لما ارتآه الخديو.
وكان يجمل بعرابي وصحبه أن يقبلوا هذا التعديل من بادئ الأمر بغير حاجة إلى إيجاد هذه الأزمة ... وكان الأنفع للبلاد ما داموا قد قبلوا التعديل في النهاية ألا يثيروا من أجله حربا بينهم وبين الخديو، في وقت كانت الأخطار تكتنف مصر فيه وتتهدد استقلالها، ولم يكن الخلاف الذي شجر بينهم وبين الخديو في هذه الحادثة مما يستوجب عقد مجلس النواب؛ لأن عقد المجلس بصفة مستعجلة، وبغير الأوضاع القانونية، معناه إعلان الثورة على الخديو، ولم يكن بقي من أوجه الخلاف بعد أن اتفقت وجهة نظر الفريقين على تعديل الحكم، سوى تجريد الضباط المحكوم عليهم من الرتب العسكرية أو عدم تجريدهم ... والمجالس النيابية لا تعقد بصفة غير عادية من أجل خلاف صغير كهذا.
ومما يؤخذ على الزعماء أنهم خلال تلك الأزمة قد جاهروا في اجتماعاتهم برغبتهم في خلع الخديو، وتعيين الأمير حليم باشا مكانه، ولم يستمعوا إلى نصائح المعتدلين الذين حذروهم عواقب هذا الطيش ... ولو كان على رأس الوزارة رجل أكثر حكمة وأبعد نظرا في الأمور من البارودي، لما استفحل الخلاف بينها وبين الخديو إلى هذا الحد، وهذا ما دعانا إلى الاعتقاد بأن سقوط وزارة شريف باشا لم يكن من مصلحة البلاد في شيء، وأنه بداية المرحلة الثانية للثورة العرابية، مرحلة الخطل والشطط. (4) حضور الأسطولين الإنجليزي والفرنسي
استفاضت الأنباء في غضون الخلاف بين الوزارة والخديو عن اعتزام إنجلترا وفرنسا إرسال أسطوليهما إلى الإسكندرية، وقد تحققت هذه الأنباء ... فقررت الدولتان على أثر ما بلغهما من اشتداد الخلاف بين الخديو والوزارة، ودعوة مجلس النواب إلى الاجتماع بدون أمره، إرسال أسطوليهما إلى مصر، إذ عدتا هذه الحالة حالة ثورة تستدعي التدخل، وأفضى اللورد «جرانفيل» وزير خارجية إنجلترا بهذه الفكرة يوم 12 مايو سنة 1882 إلى المسيو «تيسو» سفير فرنسا في لندن، قائلا إن الحاجة ماسة إلى القيام بمظاهرة بحرية في مياه الإسكندرية، وقد صادفت هذه الفكرة قبولا من الحكومة الفرنسية، وسوغت الدولتان هذا العمل بأن الغرض منه حماية رعاياهما من الأخطار التي يستهدفون لها، ولم يكن ثمة خطر ولا خوف من هذه الناحية، وإنما هي حجة مصطنعة ووسيلة باطلة تستر الغرض الحقيقي، وهو خلق الذرائع للتدخل المسلح في شئون مصر.
وتلك كانت المظاهرة البحرية الثانية التي قامت بها الدولتان خلال الحوادث العرابية، والأولى كانت في شهر أكتوبر سنة 1881 لمناسبة حضور الوفد العثماني الأول كما تقدم بيانه، والثانية كانت أشد خطرا من الأولى، إذ إنها لم تكن مظاهرة فحسب، بل كانت مقدمة لضرب الإسكندرية وللاحتلال البريطاني.
اتفقت الدولتان على أن ترسل كل منهما ست بوارج إلى المياه المصرية، وجاءت الأنباء بأن الأسطولين على أهبة الحضور، فقوبل الخبر في مصر بالقلق والانزعاج.
كانت هذه الأنباء جديرة بتحذير العرابيين والخديو عواقب الخلاف بينهما؛ لأن مجيء الأسطولين الإنجليزي والفرنسي كان نذيرا بالتدخل المسلح في شئون مصر ... ولكن لم يعتبر الفريقان بهذا النذير واستمر كل منهما يكيد للآخر، وهكذا تغلبت الشهوات الشخصية ونزوات الرءوس على مصالح الوطن العليا في أشد الساعات خطرا.
أعلن زوال الخلاف ظاهرا يوم الإثنين 15 مايو سنة 1882، في الوقت الذي كانت البوارج الإنجليزية والفرنسية تتأهب لتمخر العباب قاصدة الإسكندرية.
بدأت البوارج تصل إلى مياه الإسكندرية يوم الجمعة 19 مايو سنة 1882، ففي أصيل ذلك اليوم جاءت مدرعة إنجليزية، وفي صباح السبت 20 منه دخلتها سفينتان أخريان، وثلاث سفن فرنسية، وكانت السفن الإنجليزية بقيادة الأميرال السير بوشان سيمور، والفرنسية بقيادة الأميرال كونراد، ولما كان مجيئهما «بصفة ودية» فقد أطلقت المدافع تحية لقدومهما!
صفحه نامشخص