رهبر شورشی احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
ژانرها
قبل شريف باشا تأليفه الوزارة بعد أن حصل على هذه العهود والمواثيق، فألفها في 14 سبتمبر سنة 1881. •••
وتعد وزارة شريف باشا «وزارة الأمة» لأنها ألفت تحقيقا لرغبة كبراء البلاد وأعيانها ... وقد ابتهجت الأمة ابتهاجا كبيرا بتأليفها، وعلقت عليها تحقيق آمالها في إقامة النظام الدستوري المقرون بالعدل والاستقامة. وقد اضطلع شريف باشا بالمهمة التي ألقتها الثورة على عاتقه، وأول ما رسم من الخطوط الحكيمة إعادة النظام إلى الجيش ... فإن الثورة باعتبارها ثورة عسكرية قد أخرجت الجيش عن مهمته الأصلية، وهي حفظ النظام والذود عن كيان البلاد، وجعلته أداة سياسية للسيطرة والحكم، وهنا موضع الخطر، إذ بذلك يختل النظام العسكري ويفقد الجيش روح النظام والقيام بالواجب، ويتسرب الانقسام إلى صفوفه، ثم تقع الحكومة فريسة الفوضى ... فبذل شريف باشا جهده في الحيلولة بين الجيش والسياسة، ووافقه عرابي على هذه الخطة في أوائل عهد وزارته، فقد ذهب إليه عقب تأليف الوزارة بيومين على رأس وفد من الضباط لتهنئته بالوزارة وشكره على قبول الرياسة، وألقى أمامه الكلمة الآتية:
إني بلسان قومي أعرض لدولتكم أننا جميعا واثقون بصداقة دولتكم، وخلوص طويتكم لمحبة الوطن وأهله، وجازمون بأن هذه الصفات التي تحلت بها ذاتكم الشريفة تكون وقاية لبلادنا، وسببا في استتباب الراحة العمومية فيها، وإننا نعلم واجباتنا والفروض التي تحتمها علينا وظائفنا العسكرية، وأعظمها حفظ البلاد ومن فيها؛ ولذلك فإننا نقر بأننا القوة المنفذة لما يصدر من الأوامر التي تكون إن شاء الله في خير، وقاضية بإصلاح شئون البلاد، إلا أن لنا حقوقا معلومة يمنحها لنا القانون، ونرجو من الله أن يحسن إلينا بنوالها بمساعدة دولتكم وتوفيق الله تعالى، ونسأله سبحانه أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير والصلاح آمين.
وأمن عليه الحاضرون من الضباط ...
فترى في هذا الخطاب أن عرابي تعهد من جديد باحترام النظام، إذ يقر بأن الجيش هو القوة المنفذة لما يصدر إليه من أوامر. (2) خطبة شريف باشا
وقد اغتنم شريف باشا هذه الفرصة لينبه الضباط إلى واجبهم في إبعاد الجيش عن السياسة، فأجاب على كلمة الشكر بقوله: «في علمكم ما قال الأقدمون: آفة الرياسة ضعف السياسة، ولا حكومة إلا بقوة، ولا قوة إلا بانقياد الجنود انقيادا تاما وامتثالهم امتثالا مطلقا.» «كل حكومة عليها فرائض وواجبات، من أهمها صيانة الوطن وحفظ الأمن العمومي فيه ... وهذا وذاك لا يتأتيان إلا بطاعة رجالها العسكرية، فترددي أولا في قبول الرياسة ما كان إلا تجافيا عن تأسيس حكومة غير قوية تخيب بها الآمال، ويزيد معها الإشكال، فأكون عرضة للملامة بين إخواني في الوطن وبين الأجانب، وحيث أغاثتنا الألطاف الإلهية وحصل عندي اليقين بانقيادكم، فقد زال الاضطراب من القلوب، ورتبت الهيئة الجديدة من رجال ذوي عفة واستقامة، فأوصيكم بملاحظة الدقة في الضبط والربط؛ لأنهما من أخص شئون العسكرية وأساس قواها، واعرفوا أنكم مقلدون أشرف وظيفة وطنية ... فقوموا بأداء واجباتها الشريفة، وعلى القيام بأداء كل ما يزيدكم فخرا وسؤددا، وفقنا الله وإياكم.»
فهذه الخطبة على إيجازها، جمعت أسمى ما يقوله زعيم سياسي صائب الرأي بعيد النظر في الظروف التي تألفت فيها وزارته. إذ لم يكن خافيا أن الدول الاستعمارية - وخاصة إنجلترا - كانت تتطلع إلى الثورة العرابية لكي تتخذ منها ذريعة للتدخل في شئون البلاد، ولم تخف هذه المطامع عن عرابي ذاته، فقد ذكر في مذكراته أنه كان يلاحظ هو وصحبه عقب واقعة قصر النيل كثرة تردد السير إدوار مالت قنصل إنجلترا في مصر على الخديو ليلا ونهارا ... فأوجسوا من ذلك خيفة على مصير البلاد، وخشوا من مطامع إنجلترا، وتحدثوا بأنها تطمع في احتلال وادي النيل أسوة بما فعلته فرنسا في تونس إذ احتلتها سنة 1881.
فشريف باشا سعى جهده في أن لا يتخذ دعاة الاستعمار من الثورة ذريعة للتدخل في شئون البلاد؛ من أجل ذلك لم يفته النصح للعرابيين أن لا يقحموا الجيش في غمار السياسة، فتضطرب الأحوال وتتفتح الثغرات للتدخل الأجنبي، ولم يكن يخفى أن زعماء الثورة من الضباط قد داخلهم شيء كثير من الزهو والخيلاء، إذ كانوا قوام الحركة، وبفضلهم سقطت وزارة رياض باشا البغيضة إلى الرأي العام، وتألفت وزارة شريف المرجوة من الأمة، فلو لم يكن شريف عظيم النفس قوي الشخصية، لجعل خطبته تمليقا لضباط الجيش اكتسابا لثقتهم وتأييدهم، ولكنه على العكس خاطبهم بلهجة الناصح الأمين، ودعاهم إلى التزام حدود واجباتهم، وهي الطاعة والنظام والذود عن الوطن. •••
ولم يكن مثل شريف ليقبل أن يكون أداة في يد الجيش وزعمائه؛ لأنه لم يقصد من تأليف الوزارة مجدا ولا سلطة، وقد عرف عنه التعفف والنزاهة في كل أدوار حياته، وشهد له ماضيه بأنه لا يحرص على المناصب، وأنه يزهد فيها إذا رآها تخالف مبدأه وكرامته، ولقد كان من الوجهة الدستورية أسبق في الكفاح للدستور من العرابيين، فعلى يده تطور نظام مجلس النواب، إذ تألفت وزارته الأولى في عهد الخديو إسماعيل على قاعدة تقرير مبدأ المسئولية الوزارية أمام المجلس، وعلى يده وضع دستور سنة 1879 على أحدث المبادئ العصرية، ولم يحل دون صدور المرسوم الخديو بإنفاذه إلا خلع إسماعيل، ومن أجل الدستور استقال من وزارته الثانية في أوائل عهد الخديو توفيق، وبرنامجه سنة 1881 حين ألف وزارته الجديدة كان استئنافا لجهاده في سبيل الدستور منذ سنة 1879؛ أي قبل أن تظهر الحركة العرابية بسنتين، فلا غرو أن يشعر شريف بعزة النفس والاستقلال في الرأي إزاء العرابيين.
وقد حققت وزارة شريف باشا كثيرا من الإصلاحات في المدة الوجيزة التي تولت فيها الحكم، وكان مما أنفذته إصدار القوانين العسكرية التي كان هدفها تحسين حال الضباط والجند، وإصلاح التعليم في المدارس الحربية.
صفحه نامشخص