رهبر شورشی احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
ژانرها
لم يكد الخديو يصل إلى العاصمة حتى أخذ ينفذ خطته، وقوامها تفريق وحدات الجيش، ونقل الفرق الموالية للحزب العسكري من العاصمة لكي يستبدل بها فرقا أخرى موالية للخديو ... فأصدر داود باشا يكن وزير الحربية أمرا بأن ينقل الآلاي الثالث من المشاة - آلاي القلعة - إلى الإسكندرية بدلا من آلاي الإسكندرية - الآلاي الخامس - وأن يأتي هذا إلى القاهرة مكانه، فلما علم ضباط الآلاي الثالث بهذا الأمر اضطربوا له وأوجسوا شرا من عواقبه، وذهبت بهم الظنون والوساوس كل مذهب، وخشوا أن يكون غرض الحكومة الانتقام منهم والتنكيل بهم، وسرت بينهم إشاعة أن في نية الحكومة إغراقهم في كوبري كفر الزيات حين سفرهم بالقطار إلى الإسكندرية، وعادت إلى أذهانهم حادثة إغراق الأمير أحمد باشا رفعت بن إبراهيم باشا في كفر الزيات في عهد سعيد باشا.
واتفقت كلمة ضباط الآلاي على رفض الإذعان لأمر وزير الحربية الجديد، والامتناع عن مغادرة القلعة ... فلما جمع قائد الآلاي ضباطه وتلا عليهم أمر الوزير أعلنوا جميعا أنهم يرفضون الإذعان له ... فكتب إلى وزير الحربية يخبره بذلك. واعتزم عرابي وصحبه تحريك الجيش والسير به إلى سراي عابدين في شكل مظاهرة عسكرية؛ لإملاء إرادتهم على الخديو لكي يضعوا حدا للحالة القلقة التي وصلت إليها البلاد، ولإحداث الانقلاب الذي أرادوه. (1-1) واقعة عابدين
اتفقت كلمة زعماء الضباط على إقامة المظاهرة العسكرية أمام سراي عابدين يوم 9 سبتمبر سنة 1881، ووضعوا لها خطة محكمة، وهي حضور جميع آلايات الجيش المرابطة بالقاهرة إلى ميدان عابدين في أصيل ذلك اليوم لتقديم طلبات الأمة إلى الخديو ... وقوامها إسقاط الوزارة، وتأليف المجلس النيابي، وزيادة عدد الجيش، فخاطب عرابي جميع آلايات المشاة والفرسان والمدفعية الموجودة وقتئذ بالعاصمة لموافاته بميدان عابدين في الساعة الرابعة لعرض طلباتهم على الخديو، وأرسل إلى وزير الحربية يبلغه أن يخبر الخديو بأن جميع الآلايات ستحضر إلى ساحة عابدين في الساعة المذكورة «لعرض طلبات عادلة تتعلق بإصلاح البلاد وضمان مستقبلها». وأرسل أيضا إلى قناصل الدول يطمئنهم أن لا خوف على رعاياهم من هذه المظاهرة؛ لأنها مقصورة على أحوال البلاد الداخلية.
احتشد الجيش في الموعد المضروب في ميدان عابدين، وكان أول من حضر إلى الميدان آلاي الفرسان «السواري » بقيادة أحمد بك عبد الغفار، ولعله بادر بالحضور؛ لأنه كان من أول الناقمين من النظام القديم، إذ فصله وزير الحربية الأسبق «عثمان باشا رفقي» لغير ما سبب، ثم جاء عرابي ممتطيا جواده شاهرا سيفه يقود آلاي العباسية، ويصحبه آلاي المدفعية «الطوبجية» يقوده إسماعيل بك صبري ومعه المدافع بذخيرتها، وكانت بطاريات المدافع تتخلل أورطة المشاة أثناء السير. •••
ولما وصل عرابي تفقد علي بك فهمي فلم يجده، وأخبره بعض الضباط أنه وزع آلاي الحرس داخل السراي، ومعه كمية وافرة من الذخيرة، وأنه على استعداد للدفاع عنها إذا مست الحاجة، فبعث إليه من فوره بالملازم محمد أفندي علي ليستدعيه ... فحضر علي بك فهمي، فسأله عرابي عن سبب جعله العسكر على أبواب السراي ومنافذها من الداخل، ولم يكن هذا اتفاقهم من قبل، فطمأنه علي بك فهمي، وقال له: «إن السياسة خداع.» أي أنه لم يفعل ذلك إلا لمخادعة الخديو وأنه باق على عهده، فطلب إليه عرابي أن يسحب آلايه من السراي ويأخذ مكانه في الميدان، ففعل. وأمر بخروج الآلاي من السراي، فخرج منها الجند جميعا واصطفوا إلى جانب إخوانهم في المكان المعين لهم من الدائرة، ثم تم ترتيب آلاي المدفعية والفرسان والمشاة على شكل مربع ... وجاء بعد ذلك الآلاي الثاني من قصر النيل يقوده بعض ضباطه؛ وذلك لامتناع قائده وكبار ضباطه عن الاشتراك في الحركة، ثم جاء الآلاي الثالث قادما من القلعة بقيادة البكباشي فودة حسن، والآلاي السوداني قادما من طرة بقيادة عبد العال بك حلمي، ثم أورطة المستحفظين يقودها القائمقام إبراهيم بك فوزي. وبذلك اكتمل الجيش في ميدان عابدين، إذ لم يبق آلاي من الآلايات المرابطة بالعاصمة إلا حضر إلى الميدان، وبلغ عدد الجنود المحتشدين في الميدان نحو أربعة آلاف بأسلحتهم ومدافعهم، وغصت أطراف الميدان بالجموع الحاشدة من الناس الذين جاءوا ليشهدوا هذا المنظر، وامتلأت نوافذ البيوت المجاورة للسراي وسطوحها بالنظارة، وكان الموقف رهيبا؛ لأن مجيء الجيش متهددا متوعدا، واحتشاده بأسلحته وذخائره ومدافعه أمام السراي الخديوية يحاصرها ويسد المسالك على من فيها ، كل ذلك خليق بأن يفزع الخديو ووزراءه، وخاصة بعد أن رأى أن حرسه الخاص قد تخلى عنه في هذه الساعة العصيبة وانضم إلى الجيش الثائر.
وكان الخديو قد جاء إلى السراي ودخلها من الباب الشرقي وصعد إلى ديوانه، وشهد تجمع الجنود في الميدان، وكان الوزراء قد توافدوا على السراي، وجاء أيضا بعض قناصل الدول والسير أوكلن كولفن المراقب المالي الإنجليزي ... فشهدوا هذا المنظر الذي لم يألفوا مثله في مصر من قبل. (1-2) الخديو في الميدان
وقد ظن الخديو أنه إذا نزل إلى الميدان، فإن ما له من الهيبة التقليدية في نفوس الرعية والجند يصد الجيش وضباطه عن التمرد، فنزل من السراي إلى حيث رؤساء الجند، يصحبه المستر كوكسن قنصل إنجلترا في الإسكندرية - وكان نائبا عن القنصل العام السير إدوار مالت لغيابه بالأجازة - والسير أوكلن كلفن المراقب المالي الإنجليزي، وبعض عساكر الحرس الخاص، فلما توسط الميدان نادى عرابي، فجاءه راكبا جواده شاهرا سيفه، وخلفه نحو ثلاثين ضابطا شاهرين السيوف. فلما دنا من الخديو صاح به أحد رجال الحرس: أن ترجل واغمد سيفك! ... ففعل ثم أقبل عليه ...
وهنا يقول عرابي: إن المستر كوكسن أشار على الخديو بأن يطلق عليه مسدسه، ولكن الخديو لم يعمل بإشارته وقال له: «أفلا تنظر إلى من حولنا من العسكر؟!» أي أنه خشي مغبة العمل بنصيحة المستر كوكسن. والواقع أنها نصيحة لا تنم عن إخلاصه للخديو ولا حسن قصد من المستر كوكسن ... فلو أن الخديو أمكنه أن يقتل عرابي في هذه اللحظة لما أمن على حياته من الجند والضباط.
أما ما فعله الخديو في ذلك الحين، فإنه صاح بالضباط الذين جاءوا خلف عرابي: «أغمدوا سيوفكم وعودوا إلى بلوكاتكم!» ... فلم يفعلوا وظلوا وقوفا في أماكنهم ... وكانوا كحرس خاص لعرابي، فلم يغادروه حتى انتهى الحوار بينهما. (1-3) مطالب عرابي
ولما وقف عرابي أمام الخديو وحياه التحية العسكرية، خاطبه الخديو قائلا: «ما هي أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟»
صفحه نامشخص